English

لا "أمان" للنساء المُعنّفات ذوات الإعاقة في فلسطين


2022-10-13

أحمد الكومي

استغلت "فداء" خروج زوجة والدها إلى السوق قبل انتصاف الشمس في السماء، فوضعت غطاء رأسها بشيء من العجل، ثم همّت بالخروج وهي تلتفت خلفها وتجرّ قدمها اليسرى بشقاء.

استقلت فداء أول سيارة صادفتها في طريقها إلى الشارع الرئيسي البعيد عن بيتها 70 مترًا، قطعت هذه المسافة وكأنها 7 أيام، كان الخوف خلالها يأكل لون وجهها.

"خذني من هنا" أول جملة ألقتها على السائق الذي نظر إلى الكرسي الخلفي من مرآته الأمامية، بنظرات ريبة، ودار في ذهنه سؤال اللحظة: "فتاة بعمر 29 عامًا تلقي بنفسها في السيارة.. ما الذي تهرب منه؟".

نظر خلفها في الشارع ثم تحرّك نحو العنوان الذي يوجد فيه أحد مراكز الحماية في قطاع غزة، وهناك استقبلتها السيدات اللاتي عالجن قلقها وهدأن من روعها، لتحكي لهن حكاية القسوة والمعاملة السيئة من والدها وزوجته، حتى استنفدت كل خياراتها بالهروب إلى "برّ الأمان".

تعاني "فداء" من إعاقة حركية منذ ولادتها؛ نتيجة نقص الأكسجين الذي تسبب بإعاقة في قدمها وذراعها اليسرى، مع صعوبة بالغة في النطق والكلام.

لم تجلب هذه الإعاقة التعاطف الذي كانت تأمله "فداء" من والدها وزوجته الخمسينية، التي لم تحتمل حالتها وخصوصيتها، فلجأت إلى استخدام الضرب؛ هربًا من مسؤوليتها، تحت ستار الصمت من والدها.

بعد مرور نصف النهار، اكتشفت "فداء" أن خطتها بالهروب لم تجلب لها سوى مزيد من العنف، حينما اعتذرت إدارة أحد مراكز الحماية عن إيوائها؛ لأن المكان غير موائم لحالتها، وهذا الأمر استجلب كسر والدها للصمت بالاشتراك مع زوجته في عقابها؛ مدفوعًا بشعور الإهانة!

تعتبر "فداء" واحدة من حالات النساء والفتيات "المُعنّفات" ذوات الإعاقة، اللاتي يُغلق المجتمع فم كلّ واحدة منهن بيده؛ خشية الفضيحة، إضافة إلى قصص لحالات استمع لها "مُعدّ التحقيق" مباشرة، عن طريق محامية حقوقية مختصة في قضايا المرأة، تتهم مراكز الحماية للمرأة بـ "الاشتراك" في العنف الموجّه ضد النساء ذوات الإعاقة!

تعمل في الأراضي الفلسطينية 5 مراكز إيواء، (3 بالضفة الغربية، 2 بقطاع غزة)، ويعتبر (بيت الأمان) التابع لوزارة التنمية الاجتماعية الأكبر في غزة، بينما يعتبر مركز حماية وتمكين المرأة (محور)، الرئيسي الذي يتبع الوزارة في الضفة.

يحدد قرار مجلس الوزراء رقم (9) لسنة 2011م الخاص بنظام مراكز حماية المرأة المعنّفة في المادة (29) طبيعة الحالات التي يحظر على مراكز الحماية استقبالها، ومن بينها: "كل من تعاني من إعاقة عقلية أو مرض نفسي يشكل خطرًا على المنتفعات ومثبت بتقارير طبية، أو تعاني من إعاقة حركية تجعلها غير قادرة على قضاء حاجاتها الأساسية".

ويظهر من النص أن القرار لم يحظر على مراكز الحماية استقبال الحالات الأخرى من الإعاقة، غير العقلية والحركية. بل حدّد ثلاثة مبادئ رئيسية في بيوت الأمان وهي: المساواة وعدم التمييز ومراعاة الخصوصية.

لكن ما اتضح لـ "معدّ التحقيق" أن جميع بيوت الأمان لا تستقبل حالات الإعاقة بجميع أنواعها (سواء البصرية أو السمعية، أو الحركية بمستوى عجز يسمح لها بقضاء حاجاتها، وغيرها)، وتقوم بتحويلها إلى مؤسسات نسوية أخرى غير مختصة، أو تتجاهلها.

ويخالف هذا الأمر ما نصّ عليه قانون حقوق المعوقين رقم (4) لسنة 1999م، الذي يُلزم "الدولة بوضع الأنظمة والضوابط التي تضمن للمعوق الحماية من جميع أشكال العنف والاستغلال والتمييز" وفق ما جاء في المادة (9) منه.

كما تبدأ المادة (2) منه بأن للمعوّق حق التمتع بالخدمات المختلفة شأنه شأن غيره من المواطنين، له نفس الحقوق وعليه واجبات في حدود ما تسمح به قدراته وإمكاناته، ولا يجوز أن تكون الإعاقة سبباً يحول دون تمكن المعوق من الحصول على تلك الحقوق.

 

غياب الإمكانيات

يؤدي ممر طويل يقف على بوابته رجلا أمن داخل غرفة حراسة إلى "بيت الأمان" وسط مدينة غزة، الذي تأسس عام 2011، وهو مكون من 5 غرف مخصصة للنساء المعنفات، إضافة إلى غرف خدمات وأشغال يدوية وفنية، ويشرف عليه كادر من نحو 12 موظفة.

شاهد "معدّ التحقيق" خلال زيارة قصيرة إلى "بيت الأمان" مستوى الاهتمام بالخدمات المقدّمة فيه، وعند التدقيق في تخصصات الكادر العامل، لم تكن من بينهم أي مرشدة مختصة بذوي الإعاقة.

امتنعت بعض إدارات بيوت الأمان التي قابلها "معدّ التحقيق" عن التصريح بعدد الحالات من النساء ذوات الإعاقة التي امتنعت عن استقبالها تحت ذريعة "عدم وجود إمكانات". لكن ما كان ثابتًا أن هذه الفئة تتعرض لأشكال متعددة ومتزايدة من العنف.

فقد أظهر المسح الذي أجراه المركز الفلسطيني للإحصاء عام 2017 أن 85% من النساء ذوات الإعاقة تعرضن لأشكال متعددة من العنف: 65.3% تعرضن للعنف الجسدي، و92.3% للعنف النفسي، و13.3 % للعنف الجنسي، بينما 85.3 % يتعرضن للعنف الاقتصادي.

وبلغت نسبة النساء ذوات الإعاقة المتزوجات أو سبق لهن الزواج وتعرضن للعنف من قبل الزوج، لمرة واحدة على الأقل خلال 12 شهرًا التي سبقت مقابلة المسح، 37% بواقع 30% في الضفة الغربية مقابل 42% في قطاع غزة.

واحدة من الحالات كانت إقدام إحدى العائلات على إجراء عملية "إزالة رحم" لإحدى بناتها من ذوات الإعاقة؛ بذريعة الخشية من الاعتداء عليها في الخارج، كونها "لا تدرك ما تقوم به".

تشير منسقة "مركز حياة للحماية وتمكين النساء والعائلات" تهاني قاسم، إلى أن ذوات الإعاقة الذهنية أكثر الحالات التي تتعرض لعمليات "إزالة الرحم" والعنف الجنسي، "وهذا مُثبت"، وفق قولها.

تأسس مركز "حياة" في العام 2011 لحماية وتمكين النساء والعائلات، وهو "بيت الأمان" الثاني في قطاع غزة، بينما تم تفعيل قسم الإيواء فيه بعام 2018 بقرار من النائب العام.

تقول قاسم إن خدمة الإيواء في غزة كانت مقتصرة حتى ذلك العام (2018) على "بيت الأمان" التابع للتنمية الاجتماعية.

 

محاولات انتحار

عند ذهابك إلى مركز "حياة" الكائن في حيّ "الشيخ رضوان" وسط مدينة غزة، تواجهك بوابة حديدية كبيرة تحيطها كاميرات مراقبة، يتابعها حارس أمن خلف البوابة، يسمح لك بالمرور بعد أخذ كامل بياناتك الشخصية التي يدونها في سجل الزوار أمامه.

يتكون المركز من طابقين ويستوعب 16 حالة إيواء، وتؤكد قاسم أنه حضرت إلى المركز نحو ثلاث حالات إعاقة منذ بداية العام الحالي 2022.

تروي قاسم قصة واحدة من تلك الحالات، وهي لفتاة جامعية من ذوات الإعاقة، تعاني من التمييز داخل أسرتها التي كانت تنظر إليها على أنها "أصبحت وصمة عار لأخواتها"؛ لأنها تعاني من تأتأة في الكلام، ولأنهن في سن زواج.

تقول إن العائلة منعت الفتاة من الجلوس مع أقاربها، وتقضي كل وقتها عند عمتها، وتحاول العائلة ألا تجعلها تكمل جامعتها، قبل أن تهرب الفتاة وتقدم شكوى لدى مركز الشرطة بعد تعرضها لضرب قاسٍ وعنيف من والدها وشقيقها.

يشار إلى أن معظم الحالات التي تصل بيوت الأمان يتم تحويلها من النيابة العامة، بعد أن تصل الحالة إلى أقرب مركز شرطة أو مستشفى في حال وقع عليها العنف.

والأخطر -وفق قاسم- أن العائلة زوّرت تقريرًا لدى طبيب نفسي يفيد بأن الفتاة مريضة نفسيًا دون أن يتم تشخيصها؛ كي يتم الإبقاء عليها محبوسة داخل المنزل.

وتؤكد قاسم أن هذه القصة معروضة لدى النائب العام، الذي بدوره حوّل الحالة إلى مركز حياة، وأنه تم تقديم الدعم النفسي للفتاة وتنظيم جلسات تدخل عائلي، وتقديم شكوى ضد الطبيب وتمزيق التقرير الطبي غير السليم، حيث لم تظهر أيًا من علامات المرض النفسي.

تشدد قاسم على أن "القضية خطيرة، هذه فئة هشة وعددها كبير، وتتعرّض لأنواع معينة من العنف"، لكنها قالت إنه "يصعب عليهم استقبال حالات الإعاقة؛ لأنها تحتاج إلى خدمة متخصصة "غير متوفرة لدينا، عدا عن أن المكان غير مؤهل".

وتكشف قائلة: "هذه الحالات فعلا نقابلها، لكن لا نستطيع التدخل معها"، مضيفة: "لدينا مشكلة حاليًا مع حالات نساء معنفات ولديهن دوافع انتحار.. بل أكثر من محاولة انتحار".

 

مسؤولية الدولة

وهربًا من هذا المصير، تشير مديرة جمعية الدفاع عن الأسرة (البيت الآمن) في نابلس، إخلاص صوفان، إلى أنها تستقبل حالات الإعاقة "الخفيفة" التي تستطيع أن تخدم نفسها فقط، وتقضي حاجتها الشخصية، "وما دون ذلك نقوم بتحويلها إلى المستشفى".

وتؤكد صوفان أن الجمعية غير مواءمة لخدمة هذه الفئة على نحو شامل، وتقول إنهم تقدّموا حديثًا بمشروع إنشاء مصعد كهربائي للجمعية لخدمة ذوي الإعاقة الحركية.

وتعترف بأن هذه الحالات خارج قدرة الجمعية على الاستيعاب في ظل عدم مواءمة المكان، والحاجة إلى كادر اختصاصي، قائلة: "أكثر جهة يمكن أن تهتم بذوي الإعاقة هم الأهل". علمًا أن الجمعية استقبلت -وفق صوفان- نحو 700 امرأة معنّفة منذ عام 2011.

وتشدد صوفان على أن هذه الفئة "مسؤولية الأسرة والدولة"، وتقول: "الدولة صراحة ملزمة بتوفير أماكن مخصصة لهذه الفئة".

تنص المادة (16) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة التي انضمت إليها فلسطين في نيسان 2014 على أن من واجب الدولة أن تتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من التدابير المناسبة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة داخل منازلهم وخارجها على السواء من جميع أشكال الاستغلال والعنف والاعتداء بما في ذلك جوانبها القائمة على نوع الجنس.

لكن ما اتضح لـ "معدّ التحقيق" بعد مقارنة إمكانات بيوت الأمان في الضفة وغزة، أن وزارة التنمية بالضفة توجّه كلّ مواردها في هذا القطاع نحو مركز حماية وتمكين المرأة والأسرة (محور)، بصفته المركز الحكومي الوحيد بالضفة، ويتواجد في بلدة "بيت ساحور" بمحافظة بيت لحم.

بينما لا تتلقى غيرها من المراكز غير الحكومية الدعم الكافي الذي يسمح بإدراج مشاريع تطوير لخدمة ذوي الإعاقة المعنفين، ضمن خطط هذه المراكز.

الاستفسار من الحكومة برام الله حول هذا الأمر، وحول عمل مركز (محور)، كان يتطلب موافقة وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني؛ نظرًا لحساسية هذه القضايا وأثرها على الرأي العام، وفق ما أُبلغ به "مُعدّ التحقيق".

لم تنفِ مديرة مركز (محور) سائدة الأطرش أن بقية مراكز الحماية في الضفة الغربية غير مؤهلة لاستقبال واستيعاب النساء المعنفات ذوات الإعاقة.

ورغم أن المركز استقبل منذ تأسيسه في عام 2007 نحو 60 امرأة من ذوات الإعاقة، وفق الأطرش، فإنها تعترف بأنه لا يوجد لديهم مختصون للتعامل مع هذه الفئة، وأنه غير موجّه لها أساسًا.

وتقول: "مبنى المركز مؤهل بشكل أو بآخر، والطواقم لديها قدرة بحدّ معين". علمًا أن (محور) يعتمد على كادر يحمل تخصصات في "الخدمة الاجتماعية" و" الإرشاد الأّسرى" فقط، إلى جانب طواقم إدارية وحراسة.

وتشير إلى أن المركز يعمل تحت بند "الحماية" فقط، وأن إكمال هذا الدور يعتمد على المؤسسات النسوية الأخرى في إدماج الحالة في الأسرة.

تعترف الأطرش بأن النساء ذوات الإعاقة أكثر الفئات التي تتعرض للعنف في الأراضي الفلسطينية، وخاصة العنف الجنسي.

يتفق أيضًا المدير العام لشؤون الأسرة والمرأة في وزارة التنمية الاجتماعية -المشرف على "بيت الأمان" بغزة- د. محمد العرعير، الذي أقرّ بالحاجة إلى مركز إيواء للأشخاص ذوي الإعاقة.

وهذا يعني أن هذا المركز غير موجود، وأن خدمة الإيواء لهذه الفئة غير موجودة أيضا لدى "بيت الأمان" الحكومي في غزة.

وبسؤاله: "كم حالة إعاقة وصلتكم بصرية أو سمعية أو حركية بسيطة -التي لا يمنع قرار مجلس الوزراء استقبالها- وتعرضت لعنف؟"، أجاب العرعير: "في الإطار الطبيعي الممكن استيعابه"، ثم عاد وقال: "لم تمر علينا حالات واجهنا صعوبة في التعامل معها".

وأضاف العرعير : "استقبلنا حالات إعاقة، وتوجد لدينا خدمة واستشارات موجهة لهم". ثم عدّد العرعير الموظفات العاملات في "بيت الأمان" في خدمة هذه الفئة، واستعرض مهام كل موظفة، وعند سؤاله: "هل توجد بينهن مختصة بلغة الإشارة أو لغة برايل؟"، أجاب: "لا، لا أعتقد".

وقد لاحظ "معدّ التحقيق" أثناء جولة له في بعض مراكز الشرطة إضافة إلى وزارة العدل، عدم وجود اختصاصين للتعامل مع ذوي الإعاقة. ما يعني أن بيوت الأمان ليست وحدها غير المؤهلة بالكامل لاستقبال ذوي الإعاقة.

وهذا الأمر اعتبرته المحامية والحقوقية المختصة في قضايا المرأة "هنادي صلاح"، أحد مظاهر عدم الاهتمام بفئة النساء المعنفات من ذوي الإعاقة.

وتنوّه صلاح، خلال حديثها مع "معدّ التحقيق"، إلى ما تسمّيها "ثغرة" في قرار مجلس الوزراء بشأن مراكز الحماية للمرأة، بأنه أغفل حينما عرض شروط الترخيص، مواءمة الأماكن لاستقبال النساء ذوات الإعاقة، والاستفادة من خدماته.

وتنتهي إلى "أن مبررات بيوت الأمان بعدم استقبال النساء ذوات الإعاقة غير مقنعة، خصوصا في ظل تنوع الإعاقة في فلسطين"، قائلة: "إن كانت هذه البيوت غير حاضنة لهم، فكأننا ننبذهم عن المجتمع".

طرحنا السؤال مرّة أخرى على المشرف على بيت الأمان الحكومي (العرعير): "بحال وصلتكم سيدة معنفة بحالة إعاقة حركية.. كيف تتصرفون معها؟"، أجاب: "ليس تخصصنا".

ثم قال: "في الحالة هذه يمكن أن نتواصل مع مؤسسات الإعاقة، ونضمن عملية تأمين هذه السيدة وإيوائها في مراكز تأهيل ذوات الإعاقة". علمًا أن خدمة الإيواء ليست متوفرة لدى هذه المراكز. وهذا ما أكدته منسقة مركز "حياة" بقولها إن "مؤسسات ذوي الإعاقة ليس لديها إلى الآن تصور لتقديم خدمة الإيواء للنساء المعنفات".

وأضاف العرعير: "يصعُب علينا استقبال إعاقة حركية في ظل أن طاقم الخدمة غير متوفر لدينا"، مستدركًا: "الوزارة تسعى لتأمين ذلك؛ لكن الإمكانات تلعب دورها".

وعلم "مُعدّ التحقيق" أن هذه الإشكالية تمت مناقشتها خلال الاجتماع الأخير لمجلس وزارة التنمية الاجتماعية خلال يونيو الجاري، وأن وكيل الوزارة نقلها إلى رئاسة لجنة العمل الحكومي في غزة، وهذا ما أكّده العرعير.

وفي هذا السياق، تكشف منسقة مركز "حياة" أنهم قدّموا تصورًا شاملًا إلى سلطة الأراضي منذ 3 شهور لإنشاء مركز حماية متعدد الأغراض يناسب كل حالات الإعاقة المستثناة من قرار مجلس الوزراء.

وتقول قاسم: "طلبنا توفير قطعة أرض، وهناك فرصة تمويل.. والممول جاهز، وتلقينا وعودًا أكثر من مرة من رئيس سلطة الأراضي".

 

اشتراك في جريمة

بدوره، يقول الباحث الحقوقي والقانوني محمد أبو هاشم إنه رأى بعينيه، في وقت سابق، ربط أشخاص ذوي إعاقة بالسلاسل، وضربهم والاعتداء عليهم، وأن هناك عائلات تهمل هؤلاء الأشخاص.

يضيف أبو هاشم: "كثير من أصحاب الإعاقة ممن يتعرضون للعنف يكونون غير قادرين على الشكوى أصلًا، أو الخروج من البيت إن كانت الإعاقة جسدية"، مشددًا على أن "قضيتهم أكثر حساسية؛ لأن البدائل غير متوفرة، وبالتالي هذا الشخص إما أن يترك ليُقتل بشكل تدريجي، وفي النهاية يسجل كوفاة، نتيجة الإهمال، مثل إهمال العلاج بهدف الخلاص من الفتاة".

واعتبر أن هذا الأمر يحتاج تدخلًا من الدولة، مضيفاً: "أن يتم إهمال هذه الفئة بهذه الطريقة يتناقض مع كل ما ندعيه بأننا مجتمع مسلم تسوده الرحمة. هذه قضية إنسانية خطيرة، وإهمال هذه الفئة يعتبر اشتراكاً في جريمة".

تنص المادة (242) من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936 على أن كل من كان من واجبه تقديم ضرورات المعيشة لشخص آخر وتخلف عن القيام بهذا الواجب دون عذر مشروع مسببًا بذلك تعرض حياة ذلك الشخص أو احتمال تعرضها للخطر أو إلحاق ضرر مستديم بصحته أو إحتمال إلحاق مثل هذا الضرر بها، يعتبر أنه ارتكب جنحة.

بينما وصفت منسقة مركز "حياة" الأمر بقولها "إنك تشعر بانتكاسة، عندما تكون عندك حالة تظهر عليها علامات الانتحار ولا تستطيع استقبالها لعدم وجود القدرة والإمكانات".

وتقول: "يفترض أن تكون هناك توجهات لدى الحكومة بشأن هذه الفئة، ولا يجب التحجج بعدد الحالات، لأن تجاهل حالة واحدة يعني السماح بقتلها"، مستدركة: "مصير هؤلاء سيكون الانتحار".

وهذا ما اتفقت عليه كذلك مديرة مركز (محور) سائدة الأطرش التي قالت "هذه -النساء المعنفات ذوات الإعاقة- واحدة من الفئات المتروكة في المجتمع الفلسطيني، ولا أحد يدافع عنها". وتضيف: "نحتاج ضغطاً أكثر على صانع القرار.. من المهم إقرار تشريعات وإجراءات سريعة لمواءمة مراكز حماية المرأة مع احتياجات هذه الفئة".

إن استمرار تجاهل سماع صوت العنف الذي تتعرض له نساء من ذوات الإعاقة، وإغلاق "بيوت أمان" في وجوههن تحت مبررات غياب الإمكانات، يمثل وصفة لاستمرار دوران عجلة العنف ضد هذه الفئة ودفعها نحو اختيار الأسوأ هربًا من عنف المجتمع.


Developed by MONGID DESIGNS all rights reserved for Array © 2024