نور الدين صالح
حينما اقتربت عقارب الساعة من الخامسة فجرا، دق طنين في ذهن الطفل أحمد (اسم مستعار) يوقظه للبدء في رحلة الشقاء اليومية في أحياء وأزقة مدينة غزة بحثاً عن قوت يومه بين أكياس القمامة.
تبدأ رحلة أحمد الذي لم يتجاوز 15 ربيعاً من عتبات منزله في منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة كي ينبش عن (الخردة) والبطاريات التالفة تحديداً داخل حاويات القمامة، للحصول على مبلغ من المال لا يزيد على ثلاثين شيقلاً يعيل به نفسه وعائلته.
لم يدر بخلد ذاك الطفل الذي يمضي أكثر من خمس ساعات يوميا أن تلك الاكياس والحاويات (حقل ألغام) قد ينفجر ويبعث سمومه القاتلة إلى أنحاء جسده النحيل، خاصة أنه لا يتخذ أدنى وسائل الوقاية والحماية.
تتبعنا رحلة أحمد منذ الصباح إلى حيث انتهى من جمع هذه المواد في أكياس ثم انطلق مسرعاً نحو أحد تجار البطاريات و(الخردة) في منطقة شارع صلاح الدين شرق مدينة غزة يسلمه إياها، وهو بدوره أفرغها فوق كميات البطاريات التالفة المكدسة لديه داخل أرضٍ فارغة.
أحمد ليس الطفل الوحيد الذي يعمل في هذه المهنة الخطيرة، بل هناك العشرات من مختلف الفئات العمرية، لكن للأطفال نصيب الأسد، وهو ما دفعنا للوقوف على ظاهرة جمع البطاريات التالفة في قطاع غزة، التي تمثل "كنزاً مسموماً" لا يدرك مخاطرها إلا من وقع في شباكها.
نكشف في هذا التحقيق عن مخاطر جمّة على صحة الإنسان والبيئة نتيجة تكدس كميات كبيرة من البطاريات التالفة في مختلف محافظات القطاع، وانتشارها بين الأحياء وبيوت المواطنين، دون اتخاذ أدنى وسائل السلامة والوقاية.
كميات متراكمة
حسب المعطيات التي حصل عليها "مُعد التحقيق" من تجار وعاملين في الخردة، فإن كميات البطاريات التالفة في قطاع غزة تزداد نتيجة عدم تصديرها لإسرائيل وجمهورية مصر العربية، حيث وصلت إلى 25-30 ألف طن، علماً أنها كانت في بداية العام الجاري تبلغ حوالي 15 ألف طن.
ويؤكد تاجر البطاريات من مدينة غزة مصطفى حمادة، أنهم يشترون البطاريات التالفة من بعض الأطفال والشبان العاملين المتجولين في الشوارع، بمبالغ زهيدة.
وقال: "تلقينا بعض الوعود التي تفيد بالسماح بتصدير تلك الكميات خلال الفترة السابقة، لكن ذلك لم يتم حتى اللحظة".
وأشار إلى أنه يتم وضع البطاريات التالفة المتراكمة لدى التجار في مخازن وأراضٍ مفتوحة، مؤكداً أن استمرار تراكمها يلحق أضراراً خطيرة بالبيئة "لذلك يجب تصديرها في أسرع وقت".
وبيّن أن تراكم البطاريات التالفة يؤدي إلى خروج مادة (الرصاص المسال) من داخلها، الذي يتسبب بمخاطر كبيرة على صحة الإنسان، ويصيب الجهاز التنفسي ويؤدي للإصابة بمرض "الربو"، محذراً من أن العاملين في هذا المجال "الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض".
وحسب حمادة، يبلغ عدد العاملين في هذا المجال حوالي 30 ألفاً ما بين المتجولين والعاملين والمحلات الصغيرة، فيما يبلغ عدد التجار في قطاع غزة 30 تاجراً فقط.
مكونات البطاريات
ولمعرفة مكونات البطاريات، تواصلنا مع أستاذ الكيمياء العضوية والصناعية في الجامعة الإسلامية بغزة د. رامي مرجان، الذي أفاد أن هناك ثمانية أنواع مختلفة من البطاريات التي يتم تصنيعها واستخدامها في أرجاء العالم كافة.
وأوضح أن هناك قاسماً مشتركاً بين جميع أنواع البطاريات يتمثل في وجود عدد من الألواح المعدنية المصنوعة من معادن مختلفة تشكل قطبي البطارية (السالب والموجب).
كما تحتوي أيضاً، وفق مرجان، على خليط سائل يتكون من الماء وحمض الكبريتيك القوي بتركيز يقارب الـ 35%، وعناصر كيميائية نقية أو خليط من عنصرين معدنيين أو ما يُعرف بـ "السبيكة"، إضافة إلى أكاسيد هذه العناصر.
وذكر أن الحمض والعناصر المستخدمة لها تأثيرات سلبية على صحة الإنسان والبيئة، لا سيّما في ظل إمكانية حدوث تفاعلات كيميائية، مستدلاً بذلك بأن الأحماض المستخدمة تُصنف "قوية"، لذلك تسبب التآكل والحروق والضرر على العيون والجهاز التنفسي نتيجة استنشاق أبخرتها.
وبيّن أن العناصر المستخدمة في البطاريات تتكون من الرصاص والقصدير أو الليثيوم أو الفضة أو الأنتيمون أو السيلكون أو السيلينيوم.
وأكد أن هذه العناصر "سامة وخطيرة" على صحة الإنسان والبيئة، إذ تتفاوت درجة السمية والخطورة من عنصر إلى آخر، قائلاً: "الذي يحدد درجة الخطر على الانسان هي عوامل عدة منها مدة وطريقة التعرض لهذه المواد".
ونبّه إلى أن عشرات العاملين في جمع وفرز البطاريات التالفة "غير متخصصين" ولا يمتلكون الخبرة في التعامل معها، ولا يتخذون إجراءات السلامة الشخصية والمهنية، ما قد يؤدي إلى حالات التسمم نتيجة دخول العناصر الكيميائية للجسم من خلال التنفس أو الجلد أو الفم.
ووفق مرجان، فإن انسكاب الحمض يسبب الحروق وتآكل الجلد وتعرض العاملين بشكل مستمر ولفترات طويلة يؤدي إلى أمراض في الجهاز التنفسي التي قد تظهر بعد عدة سنوات.
مواد سامة
وفي جولة أخرى بين أزقة محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، ومع ساعات الظهيرة، التقينا مع الشاب يوسف -اكتفى بهذا الاسم- (22 عاماً)، حيث كان يجوب بعربته وينادي بمكبر الصوت "بطاريات للبيع من جميع الأحجام".
يقول يوسف إنه يعمل في هذه المهنة منذ 4 سنوات، حيث اعتاد على شراء البطاريات التالفة من المواطنين مقابل مبالغ زهيدة تصل إلى 5 شواكل (1.5 دولار) للبطارية متوسطة القدرة (100 أمبير) والبطارية الكبيرة 10 شواكل (2.5 دولار).
ويوضح أنه يخرج يومياً عند الساعة السابعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، من أجل جمع البطاريات التالفة من المواطنين، ثم بيعها إلى التجار، في سبيل الحصول على مبالغ مالية تُعيل عائلته الفقيرة.
لكن أبرز ما لاحظه "مُعد التحقيق" هو عدم اتباع "يوسف" أي وسائل للحماية والوقاية أو ارتداء "قفازات خاصة"، الأمر الذي يُعرض حياته للخطر، وهنا كان السؤال الموجه له "لماذا لا تتخذ الإجراءات اللازمة؟"، فكانت الإجابة الصادمة "مش ضروري كتير، وموكلها للتساهيل".
توجهنا إلى التاجر صبحي أبو جامع في خان يونس، الذي يؤكد ما قاله سابقه "حمادة"، إنه يشتري البطاريات التالفة من الباعة المتجولين وأصحاب العربات بنظام الوزن "بالكيلو"، بأسعار زهيدة، كواحدة من المعادن والخردة بعد إخضاعها لعملية الفرز.
وأفاد أنه يمتلك أكثر من 1500 طن من البطاريات التالفة، ولا تزال الكميات كما هي بسبب منع التصدير.
ولم يُخف أبو جامع الذي يعمل في تجارة البطاريات والخردة منذ 25 عاماً، أن تلك البطاريات تحتوي على مواد سامة أبرزها "الرصاص المسال"، تؤثر على صحة الإنسان وتسبب أمراض عدّة أبرزها "الربو" خاصة للعاملين في ذلك المجال.
وأشار إلى أنه يتم جمع البطاريات التالفة ووضعها في مخازن أو أراضٍ فارغة بين السكان قرب موقع شركته الكائن في محافظة خان يونس جنوبي القطاع، لافتاً إلى أن التصدير إلى دولة الاحتلال "متوقف بالكامل"، ما أدى إلى تراكم أعداد البطاريات التالفة في قطاع غزة.
ونفى وجود أي مصانع متخصصة أو إمكانية لإعادة تدوير البطاريات التالفة في قطاع غزة، مبيّناً أن الاحتلال لا يزال يماطل في إدخال الماكينة المخصصة لإعادة التدوير على مدار الأشهر الماضية.
وأفاد بوجود 7 شركات مركزية لجمع البطاريات والمعادن الأخرى على مستوى محافظات القطاع، وكل شركة لها 15 فرعاً في مناطق متفرقة، وكل فرع يضم حوالي 20 عاملاً ومتجولاً لجمع البطاريات من الشوارع.
ونفى وجود أي إمكانية لإعادة تدوير البطاريات التالفة مرة أخرى "مطلقاً"، إذ إن الورش في القطاع "غير مؤهلة" لهذا العمل.
السلامة غائبة
وفي ذات الزيارة، لاحظنا أن العاملين لدى أبو جامع لا يرتدون ملابس خاصة للعمل ولا "الكمامات" على أنوفهم، ويكتفون بـ "القفازات المهترئة" التي توجد بها ثقوب، الأمر الذي قد يسمح بدخول مواد البطاريات التالفة إلى أيديهم.
هكذا بدا الحال لدى التجار حمادة أيضاً، وعند سؤاله عن الإجراءات التي يتبعها العاملون لديه، أجاب "أن بعض العاملين يكتفون بارتداء "الكمامات والقفازات" فقط، "لكن هذا لا يعني عدم إصابتهم بالأمراض".
وتنص المادة (90) من قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000 "بناءً على اقتراح الوزير بالتنسيق من جهات الاختصاص، يصدر مجلس الوزراء الأنظمة الخاصة بالصحة والسلامة المهنية، وبيئة العمل متضمنة بصفة خاصة ما يلي: 1- وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من أخطار العمل وأمراض المهنة. 2- الشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل. 3- وسائل الإسعاف الطبي للعمال في المنشأة. 4- الفحص الطبي الدوري للعمال".
بدوره، يؤكد مدير دائرة التوعية والإرشاد في الإدارة العامة للتفتيش وحماية العمل في وزارة العمل رائد أبو شهلا، أن وزارته تتعامل مع العاملين والورش وفق قانون العمل الفلسطيني.
ونفى أبو شهلا التزام العاملين في هذه الورش بأدوات الحماية والسلامة الشخصية المذكورة في القانون أعلاه، ما يعرض حياتهم للخطر.
ورأى أن مسؤولية متابعة أماكن تجميع البطاريات التالفة تقع على عاتق سلطة جودة البيئة كونها الجهة المختصة بكل القضايا التي تتعلق بالبيئة.
فيما يحذر المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظتي غزة والشمال عبد الرحيم أبو القمبز، من أن ترك البطاريات التالفة بشكل عشوائي بين الأحياء السكنية يشكل خطراً كبيراً.
وأشار أبو القمبز، إلى أنه يتم تفكيك البطاريات التالفة وأخذ مادة الرصاص الخطيرة، ثم صهرها بدرجات حرارة عالية وتحويلها على شكل مكعبات، حيث يتم استخدامها في عمل "ثِقل" لشباك الصيد، وقد يتم إعادة تصديرها إلى الخارج، كما المواد الأخرى مثل الحديد والنحاس.
وأكد أن قضية البطاريات التالفة وتجميعها في الأماكن العشوائية يحتاج إلى المزيد من الاهتمام والتركيز خلال الفترة القادمة، نظراً للمخاطر الكامنة التي تحملها، لافتاً إلى أنه لا يوجد أي دراسات واضحة تتحدث عن تلك المخاطر.
وتشير المادة 14 من قانون الطفل الفلسطيني لعام 2014 "مع مراعاة المعايير والضوابط الواردة في قانون العمل واللوائح الصادرة بموجبه، يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة عشرة. 2. يحظر تشغيل الأطفال أو استخدامهم أو تكليفهم بأية أعمال أو مهن خطرة أو غيرها من الأعمال والمهن التي تحددها وزارة العمل ومن شأنها إعاقة تعليمهم أو إلحاق الضرر بسلامتهم أو بصحتهم البدنية أو النفسية بما في ذلك العمل لدى الأقارب من الدرجة الأولى. 3. يعاقب بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني ولا تزيد عن ألفي دينار أردني كل من يخالف أحكام هذه المادة، وتتعدد العقوبة بتعدد الأطفال الذين وقعت في شأنهم المخالفة في حالة التكرار، وفضلاً عن ذلك يجب على وزير العمل في حالة التكرار وبتنسيب من وزير الشؤون الاجتماعية إغلاق المنشأة كلياً أو جزئياً".
أمراض مزمنة
ويكشف الطبيب بسام أبو ناصر أخصائي أمراض الباطنة والصدرية في وزارة الصحة، أن مادة الرصاص "سامة" وتصيب جهازي التنفس والهضمي والجلد الذي يعد خط الدفاع الأول في جسم الانسان، وأبرزها "الربو".
وأوضح أبو ناصر، أن هذه المادة تدخل عبر جسم الإنسان عن طريق البخار الخارج من البطارية واتحادها مع الأكسجين في الدم، وهو من أهم مركباته والناقل الغذائي الرئيسي.
وأشار إلى أن "الرصاص" يأتي على مادة الهيموغلوبين فتتحلل، ما يؤدي إلى اصفرار أيدي العاملين، وقد يصل الأمر لتضخم في الكبد والطحال واحمرار العيون.
وقال إنه "يصعب تشخيص المرض في بعض الأحيان بأنه ناتج عن مادة الرصاص المسال، بسبب وجود أعراض أخرى مصاحبة مثل الجهاز الهضمي والتنفسي، ورفض المرضى الكشف عن كيفية تعرضهم للإصابة ومكان وقوعها، بالتالي يصبح السجل المرضي خاطئا".
وحذّر من إمكانية تفاقم الحالة المرضية للذين تعرضوا لمادة "الرصاص المسال أو أبخرتها أو الليثيوم" وقد تصل إلى سرطان الدم مستقبلاً.
وأضاف أن "الخطورة تكمن بأن غالبية العاملين في هذا المجال ليست لديهم أي خلفية علمية ولا صحية ولا وقائية، وعدم الالتزام بإجراءات السلامة والوقاية وارتداء ملابس خاصة"، لافتاً إلى أن بعض التجار يستغلون الأطفال دون الـ 18 عاماً للعمل في هذا المجال نظراً لتدني أجورهم.
ولفت إلى أن الأطفال يعملون على فرز أقطاب البطارية التالفة والسليمة، في بيئة "غير صحية"، ما يزيد من احتمالية تسرب "الرصاص" لهم، بالتالي إصابتهم بأمراض قد تكون خطيرة على المدى البعيد.
ولم يستبعد إمكانية تأثُر النساء الحوامل بالرصاص المسال، بطريقة "غير مباشرة"، من خلال وجودهن في أماكن قريبة من تجميع البطاريات التالفة، أو عند عودة أزواجهن العاملين في البطاريات ملامسة ملابسه المتسخة.
فيما كشف الطبيب علاء أبو حجر المختص في الأمراض الجلدية أيضاً، عن وجود صعوبات في التعرف على طبيعة أسباب إصابة المرض، نتيجة عدم إدلاء المرضى بالمعلومات الصحيحة عن المسببات مثل أنه يعمل في مجال البطاريات التالفة.
وأكد أن مادة الرصاص المسال وباقي المواد الأخرى المكونة للبطاريات تسبب أمراضاً جلدية متعددة، وتترك آثاراً على الانسان قد تمتد لفترات طويلة.
وقال أبو حجر، إن وصول هذه المواد إلى جلد الإنسان تسبب له ما يُعرف بـ "الحساسية التلامسية" أو "الحرق الكيميائي" إضافة إلى الطفح الجلدي والحروق، مشيراً إلى أن عدم تلقي العلاج المناسب يُسبب مضاعفات للمصاب.
وبيّن أن أبرز المضاعفات هي حدوث تشوهات في طبقة الجلد الخارجية، وما يُعرف بـ "الالتهاب البكتيري الثانوي، منبّهاً من أن بعض الحالات التي لم تستخدم العلاج المناسب، تتعرض لمضاعفات تتمثل بامتصاص الجلد لتلك المواد ما يسبب التهابات داخلية.
ولفت إلى أن الجلد هو خط الدفاع الأول للجسم، لذلك، فإن تعرضه للمواد الكيميائية الخطيرة يتسبب بحروق وتشوهات وقد يصل إلى ما يُعرف بـ "تليف الجلد" الذي يعمل على تغير لون الجلد سواء بالنقص أو الزيادة.
تجدر الإشارة إلى أن "منظمة الصحة العالمية" كانت حذرت في تقرير سابق من خطورة مادة الرصاص التي تعد المكون الرئيسي للبطاريات، التي تدرج ضمن المواد عالية السمية التي تلحق ضرراً صحياً بالغاً، إذ تشير تقديرات "معهد القياسات والتقييم في المجال الصحي" إلى أن التعرض للرصاص تسبب عام 2019 بـ900 ألف حالة وفاة في العالم، نتيجة الآثار طويلة الأجل على الصحة.
لا رقابة
ووضع "معد التحقيق" كل ما توصل إليه على طاولة سلطة جودة البيئة بصفتها الجهة المخولة بمتابعة هذا الملف، حيث نفى مدير دائرة المصادر البيئية فيها المهندس محمد مصلح وجود أي رقابة لدى سلطته على تجار البطاريات التالفة وجميع العاملين فيها.
وقال: "نحن كجهة حكومية الأصل أن نكون الجهة المنظمة والعاملة في هذا القطاع من حيث المراقبة والمحاسبة، لكن ذلك لا يحدث".
وعزا عدم متابعة سلطة البيئة لتجار البطاريات إلى قلّة الكوادر العاملة لديها، حيث جرى تقليصهم إلى 6 موظفين فقط، يتابعون كل مشكلات البيئة على مستوى محافظات القطاع.
وبيّن أن مسألة متابعة البطارية التالفة يحتاج إلى جهد كبير وعمل مستمر يقوم على جمع المعلومات والرقابة على أماكن التخزين والتفتيش المستمر على الالتزام بشروط السلامة والمهنية.
وأضاف "دورنا في الوقت الحالي ضعيف جداً، إذ تنفذ سلطة البيئة بعد الجولات الرقابية على أصحاب البطاريات من أجل اعطاءهم النصائح والارشادات فقط".
مخاطر بيئية
ولم يُخفِ مصلح أن البطاريات مُصنعة من مواد كيميائية مثل الكاديوم والزئبق والرصاص الذي يُشكل 60% من حجم البطارية، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة بالبيئة.
وبيّن أن تكدس البطاريات بطريقة عشوائية تحت أشعة الشمس، قد يؤدي إلى تحلل المركبات الكيميائية بداخلها وخاصة الرصاص الذي يتحلل ويصبح على شكل جزئيات إضافة إلى خروج بعض السوائل التي تشكل خطورة على صحة الإنسان والبيئة.
وتكمن المخاطر البيئية وفق مصلح، في إمكانية تطاير الرصاص أو الزئبق على التربة الزراعية حيث تعمل على تدميرها، خاصة إذا ترسبت على أسطح النباتات والمحاصيل الورقية.
وأوضح أن هذه المواد تؤثر سلباً على الصحة العامة، حيث يتعامل جسم الانسان مع مادة الرصاص على أنها كالسيوم، بالتالي تحدث عملية إحلال ويترسب في العظام، كما تسبب مرض (البله) والتخلف العقلي والسرطان أحيانا لدى الأطفال، لا سيما العاملين في هذا المجال.
وكشف مصلح أنه "إذا ترسب 1 غرام من الزئبق في المياه الجوفية يلوث مليون لتر مكعب منها".
إن المعطيات التي توصل إليها "معد التحقيق" تكشف عن حجم المخاطر الناجمة عن استمرار تكدس البطاريات التالفة في القطاع، في ظل عدم اكتراث التجار لاتباع إجراءات السلامة وترك "الحبل على غاربه" للعاملين في هذا المجال، فهل تنتبه الجهات المختصة لمراقبة وتصويب تلك الأخطاء التي قد تسبب كوارث صحية وبيئية مستقبلاً؟