شهد أبو ظاهرية
"قررت أن أجهض بسبب الوضع المادي السيئ، وعدم استعدادي النفسي لتحمل وزر طفل آخر يأتي إلى الدنيا بلا أي ضمانة تقيه العوز، والعيش على الكفاف، لم يكن قراراً سهلاً، لكن فكرة الفقر تكالبت في رأسي، لم أكن أفكر في سواها، كيف لي أن أنظر في عينيه غداً؟ بآخر ليلة من الليالي الطوال، حسمت أمري وقررت الذهاب إلى الدكتورة. كانت تجربة سيئة للغاية. لقد رأيت الموت بأم عيني".
هي عبارات مكررة نسمعها من سيدات ينطقن بها كرد آلي، قد نتورط بالتعاطف عندما نسمع التبرير، ونعذرهن، لكن ما العذر الذي من الممكن أن يبرر لطبيب ما الضرب بعرض الحائط كل أخلاقيات المهنة التي أقسم على الالتزام بها، ومخالفة الشرع والقانون، مقابل آلاف الشواقل ليكون سببا في جريمة قتل جنين وتعريض حياة الأم للخطر، وكل هذا يجري نتيجة لضعف الرقابة أو انعدامها في حالات أخرى من وزارة الصحة.
يجرم القانون الفلسطيني الإجهاض، ففي الضفة الغربية، يسري قانون العقوبات رقم (16) لعام 1960 الذي ينص في المواد (321، 322، 323، 325) على أن كل امرأة أجهضت نفسها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، أما من ساعدها على الإجهاض برضاها، فإنه يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وإذا ما توفيت يعاقب الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وفي حال كان الإجهاض دون رضاها وعن قصد، فإن العقوبة تصبح الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تزيد على عشر سنوات، وفي حال توفيت المرأة، فإنها لا تنقص عن عشر سنوات.
تطرق القانون أيضاً إلى الظروف المشددة، أي إذا كان مرتكب الإجهاض طبيباً أو جراحاً أو صيدلياً أو قابلة، لتزيد مدة العقوبة المعينة مقدار ثلثها في جميع الحالات المذكورة أعلاه.
أما قانون الصحة العامة رقم (20) 2004، فقد نص في المادة (8) على أنه يحظر إجهاض أية امرأة حامل بأية طريقة كانت إلا إذا استوجبت الضرورة إنقاذ حياتها من الخطر بشهادة طبيبين اختصاصيين (أحدهما على الأقل اختصاصي نساء وولادة) مع وجوب توفر موافقة خطية مسبقة من الحامل، وفي حالة عجزها عن ذلك، تؤخذ الموافقة الخطية من زوجها أو ولي أمرها، وأن تتم عملية الإجهاض في مؤسسة صحية، وعلى المؤسسة الصحية التي أجريت فيها عملية الإجهاض الاحتفاظ بسجل خاص، تدون فيه اسم الحامل وتاريخ إجراء العملية ونوعها ومبرراتها، وعليها الاحتفاظ بتلك المعلومات إضافة إلى شهادة الطبيبين، والموافقة الخطية على عملية الإجهاض لمدة عشر سنوات على الأقل.
تلجأ النساء للإجهاض لأسباب شخصية مختلفة، منها الوضع المالي، أو حفاظا على الشرف، أو بدعوى أن الوقت غير مناسب للحمل، وغيرها من الأسباب التي تفضي جميعها إلى قتل الأجنة.
تتم عملية الإجهاض إما عن طريق تناول حبوب، إذا كان الحمل في الأسابيع التسعة الأولى، أو عن طريق الجراحة، وهو الأمر الأشد خطورة إذا كان الحمل في الأسبوع العاشر فأكثر.
وفي كلتا الحالتين، يتوقع حدوث أضرار بالغة الخطورة كنزيف حاد، أو حدوث تلوث، أو عقم، أو تمزق في الرحم أثناء العملية، وفي بعض الحالات، قد نخسر الجنين والأم معاً.
بالرغم من هذه الأضرار، إلا أن الأطباء يجرون عمليات إجهاض في بعض العيادات الطبية أو المستشفيات، وحتى في أماكن أخرى أقل جاهزية، ما يؤشر إلى ضعف الرقابة وقلة الإجراءات الرادعة.
تبين لمعدة التحقيق، أن أغلب عمليات الإجهاض تتم في الأشهر الأولى، أي عن طريق شراء حبوب الإجهاض من الصيدليات، في بعض الحالات قد يتم شراؤها دون وصفة طبية، وفي الحالات الأخرى، قد تتوفر عند الطبيب شخصياً.
وفي ذلك مخالفة للقانون حسب ما جاء في المادة (66) من قانون الصحة العامة رقم () لسنة التي تحظر على أي مؤسسة صحية أو صيدلية -سواء كانت خاصة أو عامة- صرف العقاقير الطبية التي تستوجب وصفة طبية، إلا بموجب وصفة طبية صادرة من طبيب.
ألفا شيقل لإجهاض الحوامل داخل السكنات
توصل معد التحقيق لإحدى الفتيات التي خضعت لعملية إجهاض داخل سكن تقطنه للدراسة في إحدى الجامعات.
قالت المواطنة (ن.ش) ( عاماً): قبل أربع سنوات، علمت أنني حامل في الشهر الرابع ولعدة أسباب شخصية، قررت أن أستغني عن الجنين.
وأضافت (ن.ش) أنها توصلت إلى أحد دكاترة النسائية في رام الله، وقالت له إنها لا ترغب في إنجاب الجنين، ليوافق على عملية الإجهاض لها، حيث قام بإعطائها حبات من دواء "السايتوتكس".
وتابعت المواطنة أنها ذهبت إلى سكنها وبعد أخذ الدواء، حصل لها نزيف، وفي صباح اليوم التالي، أتى الدكتور إلى سكنها، ليجري لها عملية التنظيفات.
وختمت (ن.ش) بالقول: إن تكلفة العملية كانت شيقل فقط.
صيادلة وأطباء ومشافٍ وعيادات ومضاعفات خطيرة
المواطنة (د.م) ( عاماً) وهي إحدى النساء اللواتي خضن تجربة الإجهاض أيضاً، قالت إنها بعد ما علمت أنها حامل، قررت أن تتخلص من الجنين لأسباب شخصية، وبالفعل تواصلت مع أحد الصيادلة لتحصل على دواء يساعد في الإجهاض (سايتوتكس)، وبحكم المعرفة الشخصية المسبقة بين المواطنة والصيدلي، قام بصرف الدواء المذكور لها دون وصفة طبية.
وأضافت أن عملية الإجهاض لم تنجح وبقي الجنين داخل رحمها، فتواصلت مع أحد الأطباء ولكنه رفض إجراء عملية إجهاض لها، ونصحها بالذهاب إلى مستشفى (ن.ت) عند الدكتور (ع.ص) الذي وافق على القيام بعملية الإجهاض، وكتب لها حبات سايتوتك واتفق معها على أن تتم العملية في صباح اليوم التالي في المستشفى نفسه، علماً أن الدكتور (ع.ص) يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة في هذا المستشفى.
ووصفت المواطنة العملية بأنها تجربة صعبة جدّاً بسبب ما عانته بعد عملية التنظيفات فقد عانت من (الحمل العنقودي) نتيجة فشل عملية التنظيفات التي قام بها الدكتور (ع.ص) لتخضع لعملية تنظيفات أخرى فاشلة أيضاً في مستشفى المقاصد.
وختمت (د.م) بالقول إنها تلقت إبرة كيماوي في مستشفى (ب.ل)، الأمر الذي منعها من الحمل لمدة سنتين على الأقل.
(ج.ش) عاماً خاضت هي الأخرى تجربة الإجهاض لأسباب شخصية. وقالت إنها في عام علمت أنها حامل في الشهر الثاني، ولأسباب مختلفة منها كثرة النوم أثناء فترة الحمل، قررت أن تجهض الجنين.
وأضافت أنها ذهبت إلى الدكتورة (ت.ع) في رام الله وأخبرتها أنها ترغب في إجهاض الجنين لأنها غير مستعدة لإنجابه، فحددت لها الدكتورة عملية بعد أسبوع في مستشفى (خ)، وقامت بإعطائها دواء يساهم في عملية الإجهاض.
وختمت (ج.ش) بالقول: إن تكلفة العملية شيقل فقط .
قالت (م.ق) إحدى الصديقات المقربات لـ (ش.ج) ( عاماً)، وهي إحدى النساء اللواتي خضعن لتجربة الإجهاض إن صديقتها علمت في عام إنها حامل في الشهر الثاني، فاتخذت على الفور قرار الإجهاض، بسبب عدم التوافق بينها وبين شريكها.
وأضافت أنه بعد عملية البحث عن دكتورة توافق على عملية الإجهاض، توصلت إلى عيادة الدكتورة (أ) التي لم يكن لديها مانع من إجراء عملية الإجهاض.
وعن الإجراءات، تابعت الصديقة: إن الدكتورة قامت بإعطاء صديقتها دواء يعمل على إجهاض الجنين مقابل ألف شيقل، أخذت (ش.ج) الدواء لتصاب بنزيف، وتتم بعدها عملية الإجهاض.
وختمت (م.ق) بالقول: إنه في صباح اليوم التالي ذهبت (ش.ج) إلى عيادة الدكتورة (أ) لتخضع لعملية التنظيفات، لكنها لم تكن بحاجة، فبعد الفحص كان الرحم فارغ تماماً.
جدل شرعي حول الإجهاض
يقول المحكم الشرعي الدكتور سعد طه إن الإجهاض فيه مضارّ كثيرة ولا ينبغي القيام به ولكن الفقهاء قسموا حياة الجنين إلى مرحلتين مرحلة ما قبل نفخ الروح، ومرحلة ما بعد نفخ الروح: (يحرم الإسلام الإجهاض بعد نفخ الروح إلا في حالة واحدة، إذا كان الحمل يشكل خطراً حقيقياً على حياة الأم، فيجوز الإجهاض هنا للحفاظ على حياة الأم، ومرحلة ما قبل نفخ الروح وهي أن يكون عمر الجنين (أقل من يوماً)، وهنا اختلف علماء الفقه بتحريم أو جواز إجهاضه فمنهم من أجاز الإجهاض ومنهم من حرمه.
وأضاف طه إن إجهاض الجنين بعد عمر يوماً لا يجوز لأي سبب من الأسباب إلا في حالة الخطر الشديد على حياة الأم (أي احتمال موتها) بشرط وجود تقريريين من طبيبين من أهل الثقة، يؤكدان أن إبقاء الجنين في رحم الأم قد يسبب موتها، لأن إجهاض الجنين بعد الـ يوماً يعتبر قتلاً.
وتابع الدكتور إجهاض الجنين قبل عمر الـ يوماً اختلف فيه العلماء فمنه من حرمه ومنه من حلله بشرط وجود أضرار صحية للجنين (كالتشوهات) بنسبة كبيرة ولكن بشرط أن تتم موافقة الأم والأب معاً.
وختم المحكم الشرعي بالقول إن إسقاط الجنين الناتج عن اغتصاب أو سفاح قربى يجوز ولكن بشرط أن يكون عمر الجنين أقل من يوماً. أما في حال تجاوز عمره الـ يوماً فلا يجوز إجهاضه أبداً.
د. عبد الحليم: عمليات إجهاض غير شرعية في عيادات غير مجهزة
قال أخصائي النسائية والتوليد وعضو نقابة الأطباء الدكتور أحمد عبد الحليم إن عمليات الإجهاض لا تتم إلا لسبب طبي مثل امرأة حامل بطفل ميت، أو كان هذا الحمل يشكل خطراً حقيقياً على الأم وهي الحالة الوحيدة التي يسمح له