سعيد شلو
"لم أفهم آليات المشاركة بالانتخابات"، بلغة الإشارة، عبر عبد الله عمر موسى (25 عامًا) عن استيائه لعدم قدرته على الإدلاء بصوته في الانتخابات المحلية في بلدته دير بلوط غرب محافظة سلفيت، رغم أنه كان يعتزم المشاركة، لكن إعاقته السمعية شكلت عائقًا أمام إدلائه بصوته.
موسى حالة من حالات عديدة للأشخاص ذوي الاعاقة؛ انسحب من مكان الاقتراع لأنه لم يجد خبيرًا في لغة الإشارة يفسر له آلية الاقتراع؛ ما شكل عائقًا أمام ممارسة الحق الانتخابي باستقلالية وحرمانه من حقه في المشاركة بالانتخابات.
فلماذا يُحرم ذوو الاعاقة من حقهم في الانتخاب أو الترشح؟ ما هي أسباب ضعف ترشحهم في المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية؟ كيف تؤثر القيم العائلية والقبلية على حضورهم في المشهد الانتخابي ناخبين ومرشحين؟ ما المانع من تشكيل كوتات خاصة تمثلهم؟ هل للكفاءة والقدرة دور في تحديد مكان ذوي الإعاقة؟ ماذا عملت لجنة الانتخابات المركزية لمساعدة ذوي الإعاقة في الترشح للانتخابات؟
في هذا التقرير، سنحاول تسليط الضوء على هذه القضية وإبراز معاناة ذوي الإعاقة والموانع أمام تمتعهم بحقهم في المشاركة في العملية الانتخابية.
"أنا ضد ما يعرف (بنخوة ذوي الإعاقة) أو ما يطلق عليه "نفوذ ذوي الإعاقة"، لأن هناك بعض النماذج التي تعاملت معها تستغل إعاقتها من أجل أن تصل لأماكن قد تكون غير مناسبة لها"، بهذه الكلمات عبرت سوزان طقاطقة مرشحة رأس قائمة "بيت فجار تجمعنا"، عن استيائها من تعامل بعض المرشحين والنائخبين والقوائم الانتخابية مع ذوي الإعاقة الذين تعتبر واحدة منهم.
وتابعت طقاطقة، وهي طالبة ماجستير: "رأيت في نفسي القدرة والكفاءة بعد أن أكملت مرحلة البكالوريوس، وأصبحت في مكان أراني قادرة فيه على العطاء، فطلب مني الترشح من قبل ممثلي الكتل التي تخوض غمار الانتخابات، واخترت أن أكون على رأس القائمة بناء على كفاءتي".
وتضيف طقاطقة، أن الكوتا النسائية في الانتخابات تم فرضها حتى يصبح للعنصر النسائي دور في المجتمع المحلي، لكن نظام الكوتا تحول إلى أن يكون تكملة أعداد دون فاعلية لهذه القوائم.
وقالت مرشحة "بيت فجار تجمعنا": "كان من المفترض عندما تم طرح نظام الكوتا بأن تكون امرأة من ذوات الإعاقة ممثلة في هذا النظام، لكن عندما يكون لدى الفرد ذي الإعاقة القدرة والكفاءة يبتعد عن النظر إلى أن إعاقته قد تكون مشكلة موجودة ويستطيع الفرد من خلال كفاءته أن يفرضه نفسه على المجتمع".
وحول نظرة المجتمع لها كمرشحة ذات إعاقة، قالت، "في البداية، كان هنالك استهجان واستغراب من ترشحي من ناحيتين، أولاً كانت تتمثل بفكرة وجود امرأة على رأس القائمة، وثانيا تتمثل بكوني من ذوات الإعاقة".
ويرى المحاضر في جامعة بيرزيت حسن لدادوة "أن مجتمعنا لا يوجد لديه موقف ضد الإعاقة بشكل مبدئي، لكن هنالك نوع معين من الإعاقات لها علاقة بثقافة المجتمع وبالتقييم المجتمعي، ترى أن الفرد ذا الإعاقة قد لا يستطيع القيام بدوره".
وأضاف: "الموقف المتكون لدى المجتمع ليس مرتبطًا بالإعاقة نفسها، بل بالمكانة الاجتماعية لدى الفرد وعائلته والمستوى التعليمي والوضع الاقتصادي والوظيفة التي يشغلها الفرد، فكل هذه العوامل ترفع من حظوظ الفرد ذي الإعاقة في المشاركة بالانتخابات".
ونوه لدادوة إلى أن الأصل في دور البلديات القيام هو إعطاء حيز ومجال وفضاء لذوي الإعاقة، وليس تقديم نظام الكوتا لهم، لأنه قد يصبح الفرد غير فعال ومنتج كما يحدث في الكوتا النسائية.
وأوضح لدادوة، أن نظام الكوتا النسائية غير فعال، كما لم تساهم عضوات البلديات في تفعيل دورهن، فكذلك الأمر لا يمكن القول إنه إذا ما تم تخصيص كوتا أو جزء من الكوتا النسائية يعني هنالك تقدم أو تطور، فعلى سبيل إذا قلنا إن نسبة الرسوب في الامتحانات لم تتعد 1% فهذا لا يعني تقدم العملية التعليمية، وهو ذاته في النظام الكوتا.
وعلى الصعيد نفسه، طالب الأمين العام للاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الاعاقة مجدي مرعي، بتضمين الأشخاص ذوي الإعاقة في داخل الانتخابات، وليس بناء على نظام الكوتا، بل بناء على الكفاءة والقدرة لدى ذي الإعاقة".
وتابع مرعي: "إننا نضغط ونركز على أن يكون ذو الإعاقة فاعلا ويستطيع القيام بدوره، ليكون نموذجًا للمجتمع ويشجع المجتمع على الاندماج مع هذه الشريحة".
وأضاف مرعي: "الانتخابات المحلية الأخيرة نظمت في بيئة ريفية، وبالتالي، هذه القوائم منبثقة عن العائلات في معظمها، حيث إن ذوي الإعاقة لا يحصلون على حقهم، وذلك يعود إلى بيئة العشائرية والعائلية، ما يعود سلبًا على الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأوضح مرعي أن الكوتا النسائية التي تطالب النساء والجمعيات النسوية برفع نسبة تمثيلها إلى 30% لا يتم تضمين النساء ذوات الإعاقة فيها، مشيرا إلى أنه لا توجد فاعلية للعنصر النسائي في داخل المجالس المحلية نتيجة لاستغلال الخاطئ لنظام الكوتا، وطالب مرعي بتضمين النساء ذوات الإعاقة في نظام الكوتا النسائية بناء على الكفاءة والقدرة.
دور "الانتخابات المركزية"
وحول ما قدمته لجنة الانتخابات المركزية لذوي الإعاقة، قال مرعي: "منذ عام 2012 هنالك تواصل مستمر مع لجنة الانتخابات المركزية، حيث إنه وخلال العام نشرت لجنة الانتخابات المركزية فيديوهات تثقيفية وتوعوية وغيرها من مواد خاصة لذوي الإعاقة".
وقال المتحدث باسم لجنة الانتخابات المركزية فريد طعم الله: "نظمنا حملة توعوية ليوم الانتخابات باستخدام نظام "بريل"، ووزعت على اتحاد المعاقين من أجل توزيعها على أصحاب العلاقة، كما أن كل الفيديوهات الموجودة على موقع لجنة الانتخابات المركزية مترجمة للغة الإشارة، أما فيما يتعلق بيوم الانتخابات، فقد تم عمل مواد خاصة لذوي الإعاقة البصرية وجهزت الأرضية بطريقة مناسبة لهم، أما في ما يخص ذوي الإعاقة الحركية، فسيتم وضعهم في الطوابق السفلية في أماكن الانتخاب".
أرقام وإحصائيات
وحسب نتائج أولية أعلنتها لجنة الانتخابات المركزية، فإن 8000 ناخب من ذوي الاعاقة، شاركوا في الانتخابات المحلية في مرحلتها الأولى التي عقدت في الحادي عشر من كانون الأول الجاري.
وقال طعم الله، إنه في عام 2017 شكلت مشاركة ذوي الاعاقة في الاقتراع ما نسبته 60%، حيث كانت أعلى من نسبة المشاركة العامة في الانتخابات، ويتوقع أن ترتفع نسبة المنتخبين من ذوي الإعاقة نتيجة للتسهيلات والحملات التوعوية التي قامت بها لجنة الانتخابات المركزية.
وحسب إحصائيات عام 2017، بلغت نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة 2.7% بحوالي 93 ألف نسمة من المجتمع الفلسطيني.
النص القانوني
وينص قانون انتخاب مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005م في مادته (7) على أن يمارس حق الانتخاب بموجب أحكام هذا القانون كل من تتوفر فيه الشروط الآتية:
5- دون الإخلال بأحكام هذا القانون، للجنة الانتخابات المركزية وضع الضوابط القانونية التي تراها مناسبة لضمان عدم استغلال تصويت الأميين أو المعاقين لارتكاب مخالفة لأحكام هذا القانون.
وقال أمين سر نقابة المحاميين الفلسطينين المحامي فادي عباس "إن ذوي الإعاقة وبحسب القانون النافذ يحق لهم الترشح والانتخاب"، مشيرا إلى أنه لا يوجد تشريع قانوني يمنع ذوي الإعاقة من المشاركة في العملية الانتخابية.
وأضاف عباس "أن هناك سؤالا يطرح: هل هناك حاجة مجتمعية بأن توجد كوتا خاصة لذوي الإعاقة مثل الكوتا النسائية؟ ويجب أن يكون هذا السؤال مجتمعيا مفتوحا أمام الجميع".
ودعا عباس لتنظيم حملات توعوية مناصرة من أجل رفع نسبة المترشحين منذ ذوي الإعاقة في المجالس المحلية ليكون لهم دور في صناعة القرار".
فهل سيكون المجال متاحًا لموسى وأمثاله من ذوي الاعاقة للمشاركة بيسر وسهولة في أية انتخابات قادمة دون أن يتولد لديهم شعور بالانتقاص من كرامتهم؟!
* أنتج هذا التقرير من قبل المتدربين في دورة السوشيال ميديا في خدمة الانتخابات، التي نفذها مركز تطوير الإعلام- جامعة بيرزيت، ضمن مشروع لجنة الانتخابات المركزية "الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني 2021"، الممول من الاتحاد الأوروبي. والآراء الواردة لا تمثل بالضرورة رأي لجنة الانتخابات أو الاتحاد الأوروبي.