English

القوائم الناعمة.. الأمل المفقود


2021-12-22

 محمد الديك

رغم عددها القليل، لم تنجح القوائم ذات الأغلبية النسوية في تحقيق أية نتائج تُذكر في المرحلة الأولى من انتخابات الهيئات المحلية التي جرت. بثقل كبير، فرضت النتائج نفسها. قائمة نسوية وحيدة لم تتمكن من تجاوز نسبة الحسم!

قوائم النساء الأخرى انتكست أيضًا، بعضها لم تستطع تجاوز نسبة الحسم، وبعضها الآخر حصلت على مقعد وحيد، والسر المفضوح في رجل تربع على رأس القائمة، وفي أحسن الظروف حصلت بعض قوائم النساء على مقعدين لتقتسمهما مع ذكور القائمة.

 

نتائج مخيبة..

تؤكد النتائج الأولية الواردة من لجنة الانتخابات المركزية أن 3 من أصل 11 قائمة ذات أغلبية نسوية لم تستطع تجاوز نسبة الحسم في هيئات (كفر اللبد وحوارة ودير قديس)، في حين حصلت 4 قوائم على مقعدٍ واحد ذهبت جميعها لذكورٍ تواجدوا على رأس هذه القوائم، بينما حصدت 4 قوائم مقعدين أخذ الذكور منها 6 من أصل 8 حققتها هذه القوائم.

وتكشف النتائج أيضا أن 4 قوائم في هذه المرحلة كان عدد مرشحيها من الذكور مساويا لعدد الإناث، واحدة لم تستطع تجاوز نسبة الحسم في دير استيا بسلفيت، وقائمة حققت مقعدين في عزون بقلقيلية، وقائمتان حققتا مقعدًا لكل منهما في رافات وقيرة بسلفيت، وحصل الذكور على مقاعد هذه القوائم. 

 

استثناء

لم تحمل صفحات الكشف النهائي بأسماء القوائم والمرشحين، الذي أعلنت عنه لجنة الانتخابات المحلية، أي جديد، وكان الاستثناء الوحيد، هو قائمة "قادرات" التي سجلت في هيئة برقين المحلية في جنين وكان جميع مرشحيها من الإناث.

قائمةٌ استغرق تشكيلها وقتًا طويلًا، 18 مرة أدخلت تغييرات وتعديلات حتى وصلت لشكلها الحالي. 150 سيدة جرى التواصل معهن للدخول في القائمة، حيث تراوحت الإجابات بين الرفض من السيدات أنفسهن أو من الرجال "الأوصياء عليهن"، وهو ما زاد من صعوبة تشكيل القائمة، حسب ما يقول القائمون عليها.

 

السَّنَد..

يقول وكيل قائمة "قادرات" ومدير حملتها الانتخابية وصاحب فكرة تشكيلها، عبد الباسط خلف، إن الهدف من هذه القائمة هو إيجاد شراكةٍ حقيقية بين الإناث والذكور، ويضيف: "القائمة بمثابة تكريم حقيقي لأمي وزوجتي وأخواتي وبناتي ولكل النساء الفلسطينيات".

ويوضح خلف أن للقائمة احتجاجًا على التطبيق الظالم للترشح بصيغة 9 مقابل 2، ولذلك، تسعى لكسر الطابع الفولاذي المتمثل بتطبيق أعمى للحد الأدنى من تمثيل النساء في القوائم الانتخابية وكأنها "ديكور فقط"، على حد تعبيره، وأن القائمة تطمح أن تكون المرأة في مواقع متقدمة وأفضل، لتغيير نسبة تمثيل المرأة الموجودة حاليًا.

 

"الذكور رفضوا الانضمام"

يقول خلف إنه كان لديهم طموح أن يكون هناك ذكور في القائمة، مع تولي السيدات المراكز الخمسة الأولى، ويكون الرجال الداعمون في المراكز الأخيرة، ولكن هذا الطموح سرعان ما تبدد بسبب رفضه من قبل الذين عرض عليهم هذا المقترح، ويضيف: "تقدمنا بصيغة أخرى: أن يكون هناك تناوب على قاعدة امرأة رجل امرأة رجل، ولكن تم رفض هذا المقترح أيضاً".

 

والإناث أيضا..

وحسب خلف، فإن تركيبة القائمة تحتوي على 8 سيدات في تخصصات متنوعة، أجريت فيما بينهن قرعة لترتيب المرشحات لتحقيق المساواة بين أعضاء القائمة، لافتًا إلى أنه كانت هناك محاولات لتوسيعها، إلا أنها واجهت رفضًا مجتمعيًا من الرجال والنساء.

وتساءل: كيف يقبل المجتمع قائمة تحتوي غالبيتها ذكورًا (9 ذكور وسيدتين مثلًا)، ولكن يرفض وجود قائمة نسوية خالصة؟ ويوضح أنه لم يترشح ضمنها لغرض أن تكون القائمة رسالة احتجاج على التمثيل الحالي للنساء، ولكي تكون نسوية خالصة، لكسر التقليد الأعمى غير المبرر.

 

لا جديد

أظهر الكشف النهائي الذي نشرته لجنة الانتخابات المركزية أنه لا جديد بخصوص الإناث المرشحات في القوائم الانتخابية، إذ كانت هذه النسبة تزيد على الكوتا التي يحددها القانون بقليل كما كان متوقعًا، فكان عدد الإناث المرشحات 1551 بنسبة بلغت 25.9% من إجمالي عدد المرشحين البالغ 5978، وفق ما أعلنته لجنة الانتخابات.

وبَدَت الفوارق واضحة فيما يتعلق بالترشح بين الإناث والذكور، إذ ترأست النساء 9 قوائم انتخابية من أصل 735 قائمة تقدمت بأوراقها في هذه المرحلة من الانتخابات المحلية، التي جرى الاقتراع في 154 هيئة محلية، تنافست فيها 573 قائمة انتخابية، بعدما أعلنت لجنة الانتخابات أن 162 هيئة محلية تقدمت فيها قائمة واحدة وبالتالي أعلن فوزها بالتزكية في يوم إعلان النتائج.

وقال الخبير في شؤون الانتخابات د. طالب عوض: يجب العمل على زيادة نسبة تمثيل النساء في الانتخابات المحلية، والتعديل على القانون ورفع النسبة لتكون على الأقل 30%، وأن يكون من بين أول مرشحين في القائمة الانتخابية امرأة، وبعد كل 3 امرأة، ليصبح تمثيل النساء 30% في النتيجة. وأضاف "إذا بقي الوضع كما هو حاليًا، من المتوقع أن يكون تمثيل النساء 20% فقط".

 

"الحال من بعضه"

وأوضح عوض أن هذه النسبة متدنية مقارنة بالدول المحيطة، وعلل ذلك أن القانون في الأردن مثلاً ينص على أن كوتا النساء 25% من عدد مقاعد الانتخابات المحلية، ولكن في الانتخابات السابقة حصلت النساء هناك على 42% من مقاعد الهيئات المحلية.

 

تعديل القوانين.. إلى الخلف دُر

ولَفَت عوض إلى أن النص الحالي في قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005 وتعديلاته (مدمج) يُوجب وضع امرأة في أول 5 أسماء بالقائمة، في حين أن النص السابق في قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005 وتعديلاته كان يُوجب وضع امرأة ضمن أول 3 أسماء ومن ثم كل 4 امرأة، وهو ما تم تعديله عام 2005، مؤكدًا أن النص القانوني السابق يعطي فرصة أفضل للنساء في الترشح والتمثيل.

ولدى سؤاله عن قانونية قبول 13 قائمة جاء ترتيب النساء فيها في الأرقام من 7-9، أوضح عوض أن القانون سمح في الهيئات التي عدد أصحاب حق الاقتراع فيها أقل من ألف نسمة بإعطاء مقعدين للنساء دون الالتفات للترتيب، وأنه عند إعلان النتائج ستكون كوتا النساء موجودة، إذ إنه لو لم تنجح سيجري تبديل ترتيب المقاعد لتأخذ المرأة التمثيل الذي ينص عليه القانون الحالي. لافتًا إلى أن ترتيب النساء في المقاعد الأخيرة لا يؤثر في تمثيلها بعدد المقاعد والنسبة التي ينص عليها القانون.

 

أين المشكلة؟

تُظهر المعطيات التي أفصحت عنها لجنة الانتخابات أن 691 قائمة ضَمَّت مرشحة واحدة في أول 5 أسماء، فيما ضَمَّت 35 قائمة مرشحتين بنفس الترتيب، بينما ضَمَّت 8 قوائم 3 مرشحات، وقائمة واحدة 5 مرشحات إناث.

ويؤكد المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية، هشام كحيل، أن "نسبة المسجلين تقريبًا 50% إناث و50% ذكور، ونسبة المشاركة تكون مقاربة لهذه النسب 45% إناث 55% ذكور، أي أنه في التسجيل والاقتراع لا توجد إشكالية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في ضعف الترشح لدى الإناث".

 

"ليس في يوم وليلة"

يقول كحيل حول فرص نجاح القوائم النسوية: "لا يمكن إعطاء مؤشرات لنجاح أو فشل أي قائمة انتخابية، إذ إن الانتخابات السابقة سجلت وجود قوائم نسوية لكنها لم تجتز نسبة الحسم للأسف".

وتابع: الكوتا النسوية الحالية هي الحد الأدنى من تمثيل النساء، وعليه، تأمل لجنة الانتخابات في الاستحقاقات القادمة أن تكون القوائم متنوعة وتشمل النساء والشباب وذوي الإعاقة.

ويبيّن كحيل أن لجنة الانتخابات تعمل على مشاريع مختلفة لتشجيع النساء الشباب وذوي الإعاقة على المشاركة بفعالية عالية في العملية الانتخابية، وأن هناك مشاريع بهذا الخصوص مع الاتحاد العام لذوي الإعاقة، ويقول: "التغيير لا يكون في يوم وليلة وأي تقدم مهما كانت نسبته هو مؤشر على أننا في الطريق الصحيح، وقد يكون ذلك بتعديل القوانين ورفع كوتا المرأة أو إقرار كوتا للشباب أو ذوي الإعاقة".

 

الأمل المفقود..

وبالعودة إلى معطيات الكشف النهائي للقوائم والمرشحين، يتضح أن 624 قائمة احتوت على الحد الأدنى من نسبة تمثيل النساء (مرشحتان فقط)، و92 قائمة ضمت 3 مرشحات، 16 قائمة ضمت 4 مرشحات، و3 قوائم فقط ضمت 5 مرشحات.

تقول مديرة مؤسسة فلسطينيات، وفاء عبد الرحمن، إن ضعف ترشح النساء للانتخابات يعود إلى أن النساء يفضلن المشاركة الحقيقية وليست الشكلية، لتكون مشاركتهن بشيء له مردود عليهن كنساء وعلى المجتمع ككل، وتعلل أن هذا الضعف سببه فقدان للأمل من توفر المشاركة الحقيقية.

وتضيف: "هناك بيئة مانعة وطاردة للنساء من المشاركة في الانتخابات، كغياب بيئة قانونية حامية للنساء، وحكم العشائر، وضعف الثقة في القضاء، لأنه عندما تريد المرأة المشاركة، يجب أن يكون هناك ما يحميها، وإلا فهي تعتبر مشاركة شكلية ولا تستطيع التعبير عن رأيها الحقيقي بحرية".

وانتقدت عبد الرحمن وجود قوائم تفوز بالتزكية، وتساءلت لماذا يكون هناك تزكية؟ معللة ذلك بغياب الإيمان بالعملية الديمقراطية، قائلة إن الانتخابات لن تتحول لأداة للديمقراطية في فلسطين، وإنه قُضي عليها وعلى فكرتها، مضيفةً: "لا يجوز فصل الانتخابات عن الوضع العام، فقد تحوّلت الانتخابات لأداة مناكفة بين التنظيمين الأكبر في الساحة الفلسطينية، وجرى استخدامها لتجذير الانقسام وفُرّغت من مضمونها".

 

خطوة بالاتجاه الصحيح ولكن..

وسجّلت الانتخابات الحالية وجود 11 قائمة ذات أغلبية نسوية في هيئات كفر اللبد وزعترة وحوارة وكفر الديك وبرهام ودير قديس وروابي وقراوة بني زيد، و3 قوائم في رافات، فيما جاءت 4 قوائم متساوية من حيث عدد الإناث والذكور في هيئات قيرة ورافات ودير استيا وعزون، فيما جاءت باقي القوائم بأغلبية للذكور.

وتوضح عبد الرحمن أن تشكيل قوائم ذات أغلبية نسوية يمكن أن يكون إيجابيًا، إذا كانت تلك القوائم قد شُكِّلت من حركات نسوية، ويمكن اعتبارها خطوة صحيحة يمكن البناء عليها.

وأظهر الكشف النهائي للقوائم والمرشحين أن العدد الأكبر من الإناث وهو 466 جاء في الترتيب الخامس بالقوائم الانتخابية، وهو آخر رقم يسمح به القانون، يليه الترتيب التاسع بـ 201 أنثى وهو آخر رقم أيضاً يسمح به القانون لوجود أنثى ثانية في الهيئات المحلية التي تتكون من 9 مقاعد، والرسم البياني التالي يوضح ترتيب جميع الإناث المرشحات حسب ترتيبهن في القوائم الانتخابية:

(رسم بياني يوضح ترتيب الإناث في القوائم الانتخابية المسجلة لدى لجنة الانتخابات، خلال المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية 2021)

ميثاق شرف غير موثوق

توضح عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، منى النمورة، أن هناك مطالبات متكررة بأن يكون هناك تعديل على كوتا المرأة ورفعها على الأقل لـ 30% أو 33%، التزامًا بقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير.

وقالت النمورة إن الفصائل وقعت منذ سنوات على ميثاق شرف في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية أو طاقم شؤون المرأة، لكي تلتزم القوائم الحزبية بكوتا للمرأة بنسبة 30%، ولكن للأسف لم يتم الالتزام به.

وتضيف: "وجود قوائم ذات أغلبية نسوية هو رد فعل على تهميش المرأة، وهذه القوائم لها مدلولات رمزية لتشجيع النساء للمشاركة بشكل فعال أكثر وعدم الاكتفاء بالكوتة النسوية".

وردة مزعجة

وقالت النمورة إن قبول بعض المرشحات وضع صورة "وردة" أو غيرها خلال مرحلة الدعاية الانتخابية، مصدر إزعاج لأي امرأة، معتبرة أن أي امرأة لا تقبل أن تنشر صورتها تصبح فعالية مشاركتها مثار شك، وتصبح غير مقنعة لجمهورها وغير جديرة لتمثيل القوائم الانتخابية.

* أنتج هذا التقرير من قبل المتدربين في دورة السوشيال ميديا في خدمة الانتخابات، التي نفذها مركز تطوير الإعلام- جامعة بيرزيت، ضمن مشروع لجنة الانتخابات المركزية "الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني 2021"، الممول من الاتحاد الأوروبي. والآراء الواردة لا تمثل بالضرورة رأي لجنة الانتخابات أو الاتحاد الأوروبي.


Developed by MONGID DESIGNS all rights reserved for Array © 2024