سمر حمدان
على مداخل قرى وبلدات الضفة الغربية، نشرت القوائم الانتخابية المرشحة لانتخابات المجالس المحلية الفلسطينية، بوسترات دعائية مع تعتيم على بعض صور وأسماء المرشحات، في الوقت الذي تشكل فيه الصورة جزءاً أساسياً من هوية الشخص في ظل التطور الرقمي الذي نعيشه، ما يدفع بعض الناخبين إلى التساؤل: كيف يمكننا التصويت لنساء لا نعرف أشكالهن؟ وعلى أية أساس سيتم التصويت؟ وما القيمة المركزية التي ستدفعنا لانتخاب قائمة دون أخرى؟ وما الفرق الذي ستحدثه المرأة إذ لم تكن قادرة على إظهار صورتها؟
"وردة" و"دلال المغربي" و"القدس" و"زهر اللوز"، بهذه الرموز أُثيرَ الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لمرشحات آثرن إسدال الستار على شخوصهن لتحل محلهن صور تعبيرية مع بدء فترة الدعاية الانتخابية للمجالس المحلية، التي شملت 154 هيئة محلية في الضفة الغربية من أصل 376 هيئة.
وحصل هذا الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد يومين من بدء فترة الدعاية الانتخابية للمجالس المحلية، التي استمرت 13 يوماً انطلقت صباح يوم السبت 27/11 حتى مساء الخميس 9/12/2021، فأصبحت البيئة الرقمية تعج بمنشورات وبوسترات تحمل أسماء مرشحين ومرشحات عن القوائم الانتخابية وبرامجهم الانتخابية، في حين غابت صور بعض المرشحات وحلت مكانها رموز وصور رمزية وأخرى بلا أسماء للمرشحات.
ودفع ذلك الأمر الناس إلى التعليق بالنقد والسخرية والتهكم على عدم التزام بعض القوائم الانتخابية المرشحة للانتخابات المحلية في مرحلتها الأولى، بنشر أسماء وصور المرشحات في الدعاية الانتخابية.
إخفاء صور المرشحات
ووصل عدد الإناث المرشحات في جميع القوائم التي قبلتها لجنة الانتخابات المركزية، إلى 1551 مرشحة، بنسبة 25.9% من إجمالي عدد المرشحين، فيما ترأست النساء ثلاث قوائم فقط، وقائمة واحدة ضمت مرشحات نسويات فقط، حملت اسم "قادرات".
الإعلامية نور عودة علقت على الظاهرة عبر صفحتها على فيسبوك قائلة إن ما يجري أفقد الانتخابات المحلية قيمتها، مفسرة ذلك بأنه استهزاء واعتداء على مكانة المرأة وتاريخها ونضالها وكرامتها في هذا الوطن المعذب، مطالبة لجنة الانتخابات بالعمل على منع أي قائمة تحجب صورة أو اسم المرشحات عن خوض الانتخابات.
احترام العادات أكثر من القانون
المرشحة مجدولين زكارنة، عن قائمة البناء والتحرر_ دير أبو مشعل، ترى أن مشاركة المرأة في الانتخابات حتمية وضرورية لأن النساء يمثلن المجتمع، وأنها أكثر مسؤولية من الرجل في إدارة بعض الأعمال، مؤكدة أن النساء في قرية دير أبو مشعل يلاقين تشجيعا كبيرا لخوض الانتخابات؛ لكن في الوقت ذاته يواجهن صعوبة في أن تكون صورهن موجودة في يافطات القوائم الانتخابية، بسبب العادات والتقاليد التي تحكم البلدات والقرى الريفية.
وترى المرشحة زكارنة أن السبب الرئيسي في عدم وضع صورتها في البوستر الانتخابي، هو احترامها للعادات والتقاليد بشكل أساسي، رغم اقتناعها التام بأهمية وجود صورة المرأة واستخدامها في الدعاية الانتخابية.
وفسرت زكارنة احترامها للعادات والتقاليد بأنها أقوى من القانون والأعراف في التحكم بالمجتمعات، مؤكدة أن النساء لديهن قدرة كبيرة لقيادة العالم وهن ذوات قدرة على التحمل أضعاف الرجل، متمنية أن تكون مشاركة النساء فاعلة وليست شكلية.
خوف من الشتائم
بينما شاركت المرشحة راية عروق عن قائمة "نعم برقين"، خلال فترة الدعاية الانتخابية بالصور والفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها لم توافق على وضع صورتها في بوسترات بمنتصف البلد لاعتبارات شخصية، وبسبب العادات والتقاليد، وتجنباً لتعليقات أهل البلد وكيلا تبتذل صورتها وتتبعها تعليقات سلبية من الشباب، مؤكدة أنه ليس خوفا منهم ولكنها لا تحب أن ترى نفسها بمثل هذه المواقف.
وتابعت المرشحة عروق التي تحمل درجة الماجستير في الإدارة العامة تخصص حكومة وحكم محلي من جامعة بيرزيت، أنها خاضت تجربة الانتخابات لتفيد مجتمعها لامتلاكها خبرة في قيادة التجربة بشكلها العلمي وليس الخدماتي.
وأضافت عروق: يجب على المرأة أن تعرف دورها الحقيقي تجاه بلدها لأنها جزء من الوطن، ويجب أن تشارك حتى توصل فكرتها وتصل لأماكن مختلفة حتى لا يبقى دورها مهمشاً.
وترى عروق أن وضع الورد أمر طبيعي وأن مشاركة المرأة ليست مرتبطة بصورة الوردة؛ لأن النساء المشاركات في الانتخابات على دراية ماذا سيفعلن من مشاركتهن، موضحة أن المرأة على مقدرة أكبر من الرجل في النهوض بخدمات بلدها، لأن دور النساء مهم ونشاطها مؤثر، ويسهل وصولها إلى مراكز صنع القرار.
علامة فارقة
وأكد محاضر الإعلام في الجامعة العربية الأمريكية الأستاذ سعيد أبو معلا، أهمية وجود صورة المرأة في البوسترات، لأن استخدام الصورة في الدوائر الانتخابية جزء من هوية الشخص ومعرفته، مشددا على أنه كيف سيصوت لقائمة فيها نساء ولم يعرفهن، فعلى أي أساس سيتم التصويت؟ وما القيمة المركزية التي ستدفعه لانتخاب القائمة ويدعم الشخصيات التي بها؟
وبين أبو معلا أن العالم يعيش اليوم في عصر كبير ومتشابك، وبالتالي فإن قدرتنا على معرفة الأشخاص أصبحت أضعف إلا بالصورة؛ لأنه في الصورة نستدل على الأشخاص.
وتابع أبو معلا أنه من حق المقترع رؤية صورة الشخص الذي يريد التصويت له، مشددا على أنه كيف لشخص عاجز عن نشر صورته أن يخدم في الشأن العام ويشارك في مجلس قروي؛ لذلك، حضور الشخص مهم كإنسان وشخص له كيان.
أبو معلا: العالم يعيش في عصر كبير ومتشابك، ومعرفة الأشخاص أصبحت أضعف إلا بالصورة.
وأشارت مسؤولة الإعلام في طاقم شؤون المرأة لبنى الأشقر، إلى أن مشاركة المرأة تأتي من منظور مساهمة المرأة في التنمية، سواء تنمية المجتمع الفلسطيني أو تقديم خدمات للمواطنين، وأكدت أهمية وجود النساء في القوائم الانتخابية لأن التنمية في المجتمع الفلسطيني لا تقف سوى على قدمين هما المرأة والرجل، وبالتالي، فعدم وجود المرأة في المجالس المحلية والحكم المحلي يبقي عجلة التنمية في هذه المجالس عرجاء.
وشددت الأشقر على أن استخدام الرموز بدلا من صورة المرأة المرشحة ممارسات تنم عن ثقافة ذكورية في المجتمع، موضحة أن العتب على النساء اللواتي سمحن لمسؤولي القوائم بعدم وضع صورهن، وتابعت: "كيف تخجل من وجود صورتها على بوستر وهي في الأصل جاءت لخدمة عامة المواطنين والمواطنات؟! هذه ممارسة مرفوضة".
وفسرت الأشقر أن من ترفض وضع صورتها بحجة العادات والتقاليد بأنها مبررات غير مقنعة وتنم عن ضعف هذه الشخصية، وقالت: "باعتقادي، المرأة التي لا تتجرأ على وضع صورتها هي امرأة ضعيفة وغير قادرة على إحداث الفرق في عمل المجالس المحلية، بينما المرأة المتمكنة الواضحة المرئية هي التي لها حضورها بالشكل والأداء والفاعلية وفي الفعاليات والأنشطة".
وأكدت الأشقر على ضرورة وجود صورة المرأة حتى تكرس هذا الحضور النسوي، فهي عندما تظهر بصورتها وأدائها وإنجازاتها وفعاليتها متكاملة، تبدأ بصورتها ولا تنتهي بإنجازاتها على الأرض، وبالتالي عندما تظهر بصورتها، سيظل المجتمع يرى حضور النساء وإنجازاتها، وعندما تغيب صورتها تغيب إنجازاتها وحضورها.
لبنى الأشقر: المرأة التي لا تظهر للعلن لن تكون قادرة على خدمة المجتمع
من جانبها، قالت عضو المجلس الثوري ورئيسة اتحاد المرأة في جنين وفاء عفيف، إن عدم نشر صورة المرأة أو استخدام صور ورموز تعبيرية أمر غير مقبول بحق النساء، ويدل على عدم ثقة النساء بأنفسهن وبالتالي يجب أن تكون المرأة قوية ولها شخصيتها القيادية التي تمكنها من إثبات دورها بشكل فعال في المجتمع.
وشددت عفيف على أن استخدام رموز تعبيرية كصورة الشهيدة دلال المغربي أو شعارات أخرى عوضا عن صور المرشحات، يشكل محاولة اختباء خلف رمز وطني، وهو أمر غير مقبول وأسيء استخدامه.
وبيّن المتحدث باسم لجنة الانتخابات المركزية فريد طعم الله، أن لجنة الانتخابات لا تفرض على القوائم وضع صور المرشحات في الدعاية الانتخابية، كون القانون يفرض وضع الاسم وليس الصورة، وشدد على أن موقف اللجنة يدعم وضع صورة المرأة والرجل بنفس القدر خلال فترة الدعاية الانتخابية.
وأضاف طعم الله، أن لجنة الانتخابات بادرت في وضع مدونة سلوك "مناهضة المساس بحقوق المرأة في الانتخابات المحلية" تضمنت عدم إخفاء صورة المرأة المرشحة للانتخابات، ووقع على المدونة ممثلون عن جميع القوائم والكتل والأحزاب، موضحا أنهم لم يلتزموا في الأمر، ما دفع اللجنة إلى إرسال رسائل تذكير بتوقيعهم على المذكرة.
وشدد المتحدث باسم اللجنة على أهمية مشاركة النساء ووضع صورهن في الدعاية الانتخابية؛ لأنه من حق المواطن معرفة المرشحة، وتأكيدا على أهمية حضور المرأة لأنها ستلعب دورا مهما.
وعند سؤاله عن عدم رغبة النساء في نشر صورهن بسبب العادات والتقاليد، أجاب طعم الله: "نرى صور للأسيرة والشهيدة بينما المرشحة لا نرى صورتها وهي ستلعب دورا مهما، لماذا العادات والتقاليد تحضر عند الانتخابات، ووقت الأسيرة والشهيدة لا تحضر رغم أنها ستقوم بدور مهم؟!".
وأكد أن تدخل لجنة الانتخابات في مثل هذه الحالات لا يكون إلا من خلال تقديم شكوى من قبل النساء بمنعهن من وضع صورهن، أما في غير ذلك، فلا تستطيع اللجنة التدخل كون القانون لا يفرض ذلك، علما أن لجنة الانتخابات لم تتلق أي شكوى بذلك.
* أنتج هذا التقرير من قبل المتدربين في دورة السوشيال ميديا في خدمة الانتخابات، التي نفذها مركز تطوير الإعلام- جامعة بيرزيت، ضمن مشروع لجنة الانتخابات المركزية "الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني 2021"، الممول من الاتحاد الأوروبي. والآراء الواردة لا تمثل بالضرورة رأي لجنة الانتخابات أو الاتحاد الأوروبي.