مؤيد طنينة:
على مدار سبعة أعوام، عمل الستيني يوسف السويطي عضوًا في بلدية بيت عوا الواقعة إلى الجنوب الغربي من محافظة الخليل، وتوافقت عليه مؤخرًا عشائر البلدة البالغ تعداد سكانها (11,478)؛ ليشغل بالتزكية مسمى رئيس القائمة التوافقية "المزكّاة" تحت عنوان "البناء والتحرير" التابعة لحركة فتح.
"ذهبنا للتزكية تجنبا للمشاكل وحتى ما يصير مثل ما صار عند جيراننا".. سياق جملة صرح بها السويطي، ووقعُ صداها مضى في البلدة عابرًا دون أجواء انتخابية على خلاف بلدات وقرى فلسطينية تنافست القوائم فيها، ومارس أفرادها حقهم الانتخابي.
بدأت قصة التزكية في بلدة بيت عوا بعقد شخصيات من عائلتي السويطي ومسالمة اجتماعًا عشائريًا عندما لم تقرع جرس باب الترشح أي قائمة في البلدة، ما دفعهم لاختيار قائمة ممثلة داخل مبنى إقليم حركة فتح جنوب الخليل، بحضور الأعضاء وأمين السر.
"الاتفاق تم لثماني سنوات، تكون الأربع سنوات الأولى رئاسة البلدية لعائلة السويطي، وبالانتخابات القادمة تكون لعائلة المسالمة لأربع سنوات".
ويرى السويطي أن نظام الانتخابات "القوائم"، غير منصف؛ لاحتمالية وجود شخص "منبوذ" داخل قائمة مرغوبة، ما يضعف القائمة، ويؤثر على مرشحيها وأفراد المجتمع.
يوسف السويطي - رئيس قائمة البناء والتحرير ببيت عوا ورئيس البلدية فيها (الخليل)
"أما النظام الفردي التوافقي، فيكون بإجماع الجميع، ولا يتسبب بإشكاليات مجتمعية"، حسب ما يرى السويطي، مضيفاً أن التوافق في بيت عوا يعزز العلاقات الاجتماعية بين العشائر.
وأشار السويطي إلى أن التوافقية صعبة المنال في المدن الكبرى التي ستجرى انتخاباتها في المرحلة الثانية؛ لكثرة تعداد سكانها وعائلاتها وأحزابها، في الوقت الذي تمتاز فيه الأرياف بالعشائرية، وسهولة الإجماع فيها؛ لقلة سكانها والتقارب الاجتماعي بين سكانها، إذ يعيش في بلدته سكان من العائلتين فقط".
التزكية تتسيد الموقف
أقر مجلس الوزراء يوم الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول للعام 2021 إجراء الانتخابات المحلية بمرحلتها الأولى، ويشمل القرار 376 هيئة محلية، على أن تشمل المرحلة الثانية الهيئات المحلية الأخرى.
قوائم "التزكية" تسيّدت الموقف في 211 هيئة من أصل 376، بنسبة 56%، في هذه المرحلة من الانتخابات، بمعنى أن تتقدم قائمة واحدة للترشح في الهيئة المحلية.
وزعت القوائم المزكاة بين المحافظات، كان نصيب محافظة جنين الحصة الأكبر لقوائم التزكية بـ(36) قائمة، تلتها رام الله (24) قائمة، بيت لحم (20)، نابلس (18)، الخليل (16)، القدس (13)، قلقيلية (12)، طولكرم (11)، طوباس (6)، وأريحا (5).
القائمة الوحيد "المزكاة" في محافظة سلفيت مسجلة باسم "قراوة بني حسان موحدة نحو مستقبل مشرق".
(71) قائمة مزكاة مسجلة باسم كتلة البناء والتحرير التابعة لحركة فتح. فيما أعلنت "حركة حماس" عدم مشاركتها الرسمية بالانتخابات، إلا أنه وفقاً لمراقبين شارك عناصرها في قوائم مستقلة.
محافظة الخليل سجلت في أكثر من بقعة جغرافية قائمة واحدة للانتخابات، أولاها قائمة (البناء والتحرير) التابعة لحركة فتح التي كانت الوحيدة التي تقدمت بأوراقها إلى لجنة الانتخابات في هيئة بيت عوا المحلية، وشاركتها ذات الحالة بلدة الريحية، جنوب مدينة الخليل، التي يبلغ تعدادها السكاني (6000) نسمة، ولكنها قائمة تتبع لمستقلين.
قانون يكرّس العشائرية
هذه القوائم اعتبرها الخبير في التنمية المحلية لؤي قباجة "نهجاً لمصادرة حق المواطن في انتخاب من يمثله".
لؤي قباجة- الخبير في التنمية المحلية
ويضيف قباجة "بعد إلغاء الانتخابات العامة، وتقسيم الانتخابات المحلية لمراحل، وعدم إجرائها في قطاع غزة، يحلو للبعض الهروب من خلال قوائم التزكية، التي تأتي امتدادًا لمشكلة قانون الانتخابات الذي لا يحقق الديمقراطية بقدر تكريسه للعشائرية، ونهج التفرد في إدارة شؤون المواطنين".
المطلوب تعديل القانون
الخبير في شؤون الانتخابات، طالب عوض تحدث عن ثغرات في قانون الانتخابات، ويقول "طالبنا بتعديل قانون الانتخابات، ووعدنا بتغييره، لكن حتى الآن لم يحدث أي تغيير".
طالب عوض- خبير في شؤون الانتخابات
وعلّق على قوائم التزكية: "يجب أن يجري استفتاء في مناطق التزكية، ويجب أن تحصل القائمة على 25% من أصحاب حق الاقتراع في المنطقة الانتخابية على أقل تقدير".
مدير المرصد العربي للديمقراطية والانتخابات، عارف جفّال يؤكد وجود نقاش وزاري مع الحكم المحلي بخصوص قوائم التزكية وتعديل القانون، مضيفًا: "النقاش معهم لم يكن مشجعاً، ردودهم كانت تصب بأن التزكية عبارة عن توافق مجتمعي، وتعزز السلم الأهلي".
عارف جفال- مدير المرصد العربي للديمقراطية والانتخابات
يقول جفّال "انتخابات عام 2004- 2005 كانت نسبة التزكية فيها 8%، إلا أنها ارتفعت لتصل هذه المرة 56%"، معتبرًا بقاء الأمر دون معالجة قانونية سيئًا، في ظل غياب مجلس تشريعي.
من المستفيد؟
ويرى جفال أن الأحزاب تخشى التخلص من التزكية، لأنها تستهل العملية؛ لقلة كلفتها وجهدها، وخشيتها من مواجهة الناخب. يضيف: "حسب متابعتنا، بعض القوائم لم تقدم أي خدمة للمواطن وبقيت على رأس الهيئة المحلية بالتزكية".
وأشار إلى أن عدم مشاركة حركة حماس بشكل رسمي في الانتخابات رغم مشاركة أعضائها، يجعل من التزكية أكثر انتشاراً، على حد قوله.
هدف مفقود..
الباحث السياسي أشرف بدر، يوضح أن الذهاب للانتخابات بدون توافق وطني وإنهاء الانقسام، أبعد الحزب المنافس للحزب الحاكم بالضفة عن المشاركة، وكان أحد أسباب عزوف الناخبين عن المشاركة بالانتخابات المحلية ترشحا وانتخابا، وسببا لكثرة قوائم التزكية.
أشرف بدر- الباحث السياسي والمحاضر بجامعة بيرزيت
يضيف بدر أن هذه المرحلة الأولى شملت مناطق بتعداد سكاني قليل، ما سهل عملية إقناع أهاليها بالتزكية، والاستعانة بالعشائرية والحزبية والولاء للسلطة والحزب الحاكم.
مصادرة حق المواطن
ويرى الخبير لؤي قباجة أن ظاهرة التزكية تعني غياب العقد المجتمعي بين المواطن والمسؤول، فيصبح مجلس الهيئة المحلية بمثابة موظف معين بقرار من جهة ما، غالبا ما تكون لها اليد الطولى في تصريف أمور الهيئة في ما بعد، خاصة في موضوع التعيينات والعطاءات.
يتفق هذا مع ما يراه مدير المرصد العربي للديمقراطية والانتخابات، عارف جفال، الذي قال "التزكية تبقى بعيدة عن المنهاج الشعبي".
* أنتج هذا التقرير من قبل المتدربين في دورة السوشيال ميديا في خدمة الانتخابات، التي نفذها مركز تطوير الإعلام- جامعة بيرزيت، ضمن مشروع لجنة الانتخابات المركزية "الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني 2021"، الممول من الاتحاد الأوروبي. والآراء الواردة لا تمثل بالضرورة رأي لجنة الانتخابات أو الاتحاد الأوروبي.