أسيل عبد الرحمن*
أصبح حق التمتع بالعيش سليماً وفي بيئة نظيفة مطلباً، بعد أن كان حقّاً للمواطنين وواجباً من الدولة. هذا حال بلدة إذنا الواقعة غرب محافظة الخليل، التي تعاني كارثة حرق النحاس من سنوات عدة، وما تسببه به من أمراض أصابت الإنسان والحيوان والنبات، وهي كارثة دمرت صحة مواطنيها في ظل غياب قانون رادع واهتمام من جهات رسمية والقبض على هذه العصابة التي لا تتعدى 15 شخصاً معروفين للجهات الرسمية، الذين يتذرعون بحجة الأوضاع الاقتصادية الرديئة والاحتلال، وأنهم يريدون العيش الكريم، ولكن هذا كان على حساب صحة 32 ألف مواطن من بلدة إذنا!
مكسب زهيد وعلاج مكلف
يروي المواطن إسحق ذيب نوفل ما أصاب أطفاله نتيجة استنشاق والدتهم أثناء حملها بهم، رائحة النحاس المحروق، ويقول إنه فقد طفلين قبل اثني عشر عاماً نتيجة وجود فتحة في البطن تخرج منها الأمعاء، ولديه طفل ثالث يدعى حبيب (8 أعوام) ولد بذات المشكلة، إلا أنه لا يزال يعاني منها حتى الآن.
وأضاف نوفل أن التقارير الطبية أثبتت أن ما حصل مع أطفاله كان نتيجة لحرق النحاس، وأن ابنه حبيب خضع للكثير من العمليات وبقي في المستشفى 4 أشهر بعد ولادته، لأن حالته الصحية تطلبت أن يبقى في بيئة نظيفة، وأنه في حال استنشق رائحة النحاس، فإن ذلك سيؤدي إلى وفاته.
وناشد المواطن نوفل البلدية والشرطة وقف هذه الظاهرة وإلقاء القبض على حارقي النحاس، لما تسببوا به، له ولعائلات أخرى، من ضرر كبير.
طميزي: "الواحد صار يفكر يبيع داره ويرحل"
المواطن داوود نايف محمد طميزي (40 عاماً) متضرر آخر من حرق النحاس في بلدة إذنا، يروي تفاصيل ما أصاب عائلته من مشاكل صحية. فهو والد لخمسة أطفال، ثلاثة منهم تقل أعمارهم عن خمسة أعوام، يعانون من حساسية في الجلد ومصابون بالربو، وهو مصاب به أيضاً، ويعاني من حساسية عالية في عينيه، وكل ذلك بسبب مخلفات حرق النحاس، مشيراً إلى أن طفلته الصغيرة لا تنام الليل بسبب الربو.
"بطلت ألحق علاج"، هذا ما يقوله طميزي، حيث إن أغنامه أيضاً لحقها الضرر، وأصبحت تعاني من حساسية في الأنف والعيون، وحليبها لم يعد صالحاً، ما يدفعه لشراء الأدوية باستمرار لعلاجها، بالإضافة إلى أن المياه أيضاً ملوثة، ما يدفعهم لشراء مياه معقمة.
وتابع داوود، خلال إجراء اللقاء معه، أنه ومنذ 20 يوماً، لا يوجد حرق نحاس بفضل شباب التنظيم والمتطوعين، وأنه مستعد لأي مساعدة من أجل وقف هذه الظاهرة نهائياً، مشيراً إلى أنه خاطر بنفسه بالليل ليذهب إلى مساعدة المتطوعين الذين يحرسون منطقة الجدار التي يتم قربها الحرق أغلب الأوقات في ساعات متأخرة من الليل، حيث إنه في أي لحظة قد يتعرض لإطلاق النار من الجانب الإسرائيلي.
وقال المواطن طميزي إنه في مرة من المرات أمسك بعض الذين يحرقون النحاس ووعدوه بأنهم لن يكرروا الأمر على أن يتركهم، ولكن في اليوم التالي، عادوا للحرق من جديد.
وتابع داوود أنه ودون مبالغة، حسب تعبيره، اتصل على شرطة إذنا أكثر من 100 مرة، وأنه في كل مرة كان يعرف عن نفسه لهم ويعطيهم موقع بيته، ولكنهم لا يستجيبون، وفي آخر مرة، قال له أحد عناصر الشرطة: "أنا كشرطي، شو بدي أسويلك؟"، ليرد عليه داوود: "أنت بخدمة الشعب، يعني اتحمل بلا الناس؟".
وأضاف طميزي أنه في الفترة التي توقف فيها حرق النحاس، تحسن أيضاً نفسياً، يقول: "صارت عندي حالة نفسية من حرق النحاس، وأي حريق صرت أشمه إنه نحاس".
وتابع أنه يعمل ما يقارب 9 ساعات، ويكون بصحة جيدة، ولكن بمجرد العودة للبيت، لا يستطيع الخروج إلى شرفة منزله بسبب رائحة حرق النحاس وما يسببه له من تعب، وحتى في البيت، عندما يشغل "المكيف"، يضطر لوضع غطاء على رأسه حتى لا يقع عليه الغبار القادم من الخارج.
وناشد المواطن طميزي المؤسسات الأمنية والمدنية والسلطة والبلدية وقف هذه الظاهرة، مشيراً إلى أنه أكثر من مرة فكر ببيع بيته والرحيل: "لوين رح تصل الأمور.. الواحد صار يفكر يبيع داره ويرحل.. بس بحكي حسبي الله".
العسود: "قسم كبير من أراضينا أصبح غير صالح للزراعة"
المواطن محمد فضل عبد الله العسود، أحد المزارعين الذين تضررت مزروعاته وتلوثت أرضه بمخلفات حرق النحاس، وقال إنه يمتهن الزراعة منذ أكثر من ربع قرن، حيث يقوم بزراعة الخضراوات المروية بالإضافة إلى أشجار الزيتون.
وأضاف العسود أن حرق النحاس سبب مصائب كبيرة لهم كمزارعين، حيث إن قسماً كبيراً من الأرض أصبح غير صالح للزراعة، فعندما يقومون بالحرق، تسيل هذه المواد مع الأمطار إلى التربة وتتلفها، بالإضافة إلى أن المزروعات الحقلية أصبحت غير صالحة للأكل، كالفقوس القريب من مناطق الحرق، بسبب الغبار المتراكم والتربة الملوثة.
وتابع أنه في كل مرة يزرع فيها البندورة، كان ينتج من 30 إلى 40 كرتونة، وكان يحتاج إلى شخصين لمساعدته لالتقاطها، و أشخاص لغسلها من الغبار أو السواد، وفي أغلب الأوقات، كانوا يضطرون لرميها، بالإضافة إلى أن ثمر شجر الزيتون ملوث "بسنج النحاس"، وعند عصره يكون غير صالح للأكل.
وذكر المزارع العسود أنه اشتكى على عدة أشخاص شخصياً في المحاكم، ونتيجة ذلك، قاموا بإحراق مخزنه ما يقارب 3 مرات، بالإضافة إلى احراق خزان مياه سعة كوباً، وحسب تصريحه، فإن الأمر لا يتوقف هنا فقط، وإنما أيضاً يسرقون المزروعات.
وأشار العسود إلى أن الظاهرة بدأت تتناقص قليلاً بمجهود اللجان والتنظيم في البلد، ولكن الحكومة لم تكن جادة في القضاء على هذه الظاهرة، موضحاً أنهم ومنذ سنوات لم يتركوا أحداً إلا وخاطبوه حول مشكلتهم، وأنه خاطب الرئيس محمود عباس شخصياً برفع كتاب له، بالإضافة إلى مخاطبة رؤساء الوزارء السابقين وكل المسؤولين، ولكن ليست عندهم جدية ولا اهتمام.
أما فيما يخص الأمن، فقد قال العسود: "إنه لا يقوم بدوره نهائياً"، واتهم المحافظ بالتقصير، فقد تواصل معه أكثر من مرة، ولكن "ربما مجهوداته غير كافية"، حسب تعبيره.
وأضاف المزارع أنهم يواجهون مشكلة أخرى تتمثل في القضاء، فقد لمس ذلك عندما كان يذهب إلى المحاكم، حيث إنه لا يوجد اهتمام نهائياً بهذه الظاهرة، ويدعون أنه لا يوجد قانون بيئة يحاكم، مشيراً إلى أن قانون البيئة موجود بس "مش مستعدين يفتحوا الكتاب ويطالعوه".
وقال العسود إنه في مدينة رام الله تم تطبيق المادة من قانون البيئة رقم في المحاكم، التي تقضي بحبس لمدة لا تقل عن أشهر لملوث البيئة، وغرامة آلاف دينار في بعض الحالات، وتابع أن مدير بيئة محافظة الخليل طلب من المحكمة تطبيق غرامة 3 آلاف دينار، ولكن القضاء لا يستمع، حيث إن القاضي يسأل المدعي العام عن طلباته، والمدعي العام يجيب "لا يوجد طلبات"، فتتم محاسبته وفق المادتين و من قانون البيئة، اللتين تطبقان على أبسط الملوثات، وهما غير رادعتين، وتعودان للقانون الأردني في الستينيات.
وتابع العسود أنه تتوفر في بلدة إذنا مقشرتان، واحدة منهما بدعم إيطالي بقيمة مليون و ألف يورو، مشيراً إلى أن الماكنة الموجودة التي تعمل هي ماكنة واحدة غير منتجة، إذ حسب تعبيره، زار الشباب العاملين في الخردة، وقالوا إنهم يحتاجون أسبوعاً إلى عشرة أيام ليأتي دورهم، وهذا يعني أن القشارة تنتج في اليوم حوالي طن أو طن و كيلو فقط.
أشجار الزيتون غير صالحة للأكل والتربة ملوثة
المزارع نضال حسن أحمد البطران من سكان بلدة إذنا كان له نصيب من الضرر بسبب كارثة حرق النحاس، إذ يقول إنه كان يمتلك ما يقارب دونم من الأراضي، وما يقارب شتلة زيتون، و شتلة حمضيات "ليمون" و دالية عنب و شتلة لوزيات، بالإضافة للأراضي الزراعية التي يقوم بإعمارها من جديد.
وتابع أن أشجار الزيتون تضررت بنسبة عالية بسبب حرق النحاس، مشيراً إلى أنه وقبل سنوات، قام بزيارته وفد تابع للمركز الأميركي وأجروا اختبارات وأخذوا عينة من أشجار الزيتون الواقعة بالقرب من مناطق حرق النحاس، وبعد فترة، تبين أن العينة مسرطنة ولا تصلح للأكل، وأيضاً أخذوا عينة للتربة ووجدوا أنها ملوثة.
وأضاف البطران أن شتل الحمضيات لديه أصبح أصفر وتالفاً، والنبعة التي كان يمتلكها أصبحت ملوثة وغير صالحة للشرب، وأنه على الرغم من إعادة ترميمها وتأهيلها من جديد، إلا أن التلوث لم ينتهِ.
وذكر المزارع أن بلدة إذنا تحتوي على أعلى نسبة سرطانات على مستوى محافظة الخليل، وأنه يعاني من تليّف في الكبد، وأن حرق النحاس يرهقه، فهو يحتاج إلى هواء نقي.
وأشار البطران إلى أنه لجأ لمركز الشرطة في بلدة إذنا وأنه في البداية كان هناك تعاون ولكن توقفوا منذ 5 سنوات، وأيضاً لجأوا لأكثر من جهة، ولكن الوحيدين الذين خففوا من الظاهرة هم المتطوعون، ولكن الظاهرة لا تزال مستمرة.
وعلى ما يبدو، فإن آثار حرق النحاس لم تقتصر فقط على تدمير المزروعات والقتل البطيء للإنسان والمواشي، وإنما أيضاً أعاق رفاهية العديد من العائلات وحتى لحقتهم إلى بيوتهم، ليصبح البيت موصداً من كل منفس، تجنباً لدخول الهواء الملوث، وهذا ما صرح به المتطوع والمتضرر غسان دهيسي، وقال إنه ومجموعة من الشباب يقضون أوقاتاً طويلة في الجبال لمطاردة حارقي النحاس، ما يلحق الضرر بمركباتهم، وإنه أيضاً عندما يذهب للتنزه في يوم الجمعة، يعود وثيابه متسخة من مخلفات حرق النحاس "بنروّح أواعينا سود".
وأضاف أنه يسكن في منطقة تدعى التل وأنه وفي الساعة 1 و2 بعد منتصف الليل لا يستطيع أن يجلس في شرفة منزله، وأنه يضطر لإغلاق نوافذ بيته حتى يستطيع وأطفاله النوم، واصفاً ما يحدث بالمأساة.
وفيما يخص ما يعاني منه أهالي بلدة إذنا من أمراض سببها حريق النحاس، قالت نايفة جياوي، وهي مديرة منطقة إذنا للتنمية الاجتماعية، أنه حسب طبيعة عملها، تقوم بتقديم تأمينات طبية لمراجعين من أهل البلدة يعانون من أمراض السرطان وتشمع في الكبد وأن هذا كله بسبب حرق النحاس في منطقة الراس والباص.
وأضافت جياوي أن هناك العديد من حالات تشوه للأجنة، وذكرت حالة الأطفال الثلاثة الذين ولدوا بفتحة في البطن، بالإضافة لحالات مرضية أخرى كالربو وحكة جلدية وغيرها، ووصفت هذه الحالات بأنها عبء على المؤسسات ويحتاجون لتأمينات صحية.
أثر سلبي على المديين القريب والبعيد
وبعد سماع المتضررين، سألنا طبيباً، ليوضح لنا كيف يساهم حرق النحاس في زيادة الأمراض، فقال الطبيب وأخصائي طب الأسرة والطوارئ إسماعيل طميزي إن لحرق النحاس تأثيراً على المديين القريب والبعيد، فتأثير المدى القريب يكون كالتأثير على مرضى الربو والأزمات والمدخنين، حيث يصيبهم ضيق في النفس، أما على المدى البعيد، فيسبب تراكم رذاذ النحاس والألمنيوم في الكبد وفي الكلى، ما يسبب سرطانات للكلية والكبد والرئة، وهذا دليل على ما يحصل في إذنا من حالات مرضية.
وأضاف أنه أيضاً يسبب سرطاناً في الدم "اللوكيميا"، وسرطاناً في الدماغ، حيث ارتفع سرطان الدماغ بنسبة 3% مقارنة بما قبل 10 سنوات.
وتابع الطبيب أنه من ناحية خلق أجنة مشوهة، لم ترتفع بشكل كبير، ويعتمد ذلك بشكل أكبر على زواج الأقارب، ولكن حصل ارتفاع في حالات موت الأجنة، وتناول الأغذية الملوثة يساهم بشكل كبير في ترسب رذاذ النحاس، وبالتالي التسبب بأمراض سرطانية.
أما بخصوص إحصاءات حول نسبة ارتفاع الأمراض والتأثيرات التي تسبب بها حرق النحاس لآخر 7 سنوات، التي قام بعملها الطبيب طميزي "لجنة طوارئ إذنا"، فقد كانت كالآتي:
أورام الدم 35%
موت الأجنة بعد الولادة 25%
أورام الرئة 18%
أورام الكلى 14%
أورام الكبد 10%
أورام العظام 4%
تشوهات الأجنة 2%
الموت المفاجئ 1%
رئيس بلدية إذنا: الأرض ملوثة بالسواد والإشعاعات المختلفة
توجهنا لبلدية إذنا لمعرفة دورها في مكافحة هذه الظاهرة، خاصة أن معظم المتضررين اتهموها والشرطة بالتقصير.
يقول رئيس بلدية إذنا معمر طميزي إن قضية حرق النحاس قضية قديمة جديدة، وإن المتضرر فيها بالدرجة الأولى بلدة إذنا، بحكم وجودها أولاً في الخط الغربي، وكونها البلدة الوحيدة المحاذية لمعبر "ترقوميا"، لتصبح مركزاً للنفايات الإسرائيلية الإلكترونية السامة ومخلفات الأسلحة، مشيراً إلى أنه يتم توزيعها على طول الخط الغربي، ما سبب عبر سنين طويلة آفات وأمراضاً تعاني منها البلدة حتى اليوم، حيث تسجل أعلى نسبة سرطان في الوطن، واصفاً ما يحدث بالمؤسف، بالإضافة لأمراض ربو عالية وحالات إجهاض مرتفعة بسبب حرق النحاس.
وأكد طميزي على ما قاله المتضررون، بأن حرق النحاس تسبب بتسمم الأرض والنبات والمياه الجوفية، وأن ما ينتج من حليب المواشي هو مسمم ومسرطن، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من زيت الزيتون بعد عصره وفرزه يتم التخلص منه لعدم صلاحيته للأكل.
وأضاف رئيس البلدية أنه وعلى عمق متر ونصف المتر من الأرض، التراب ملوث بالسواد والإشعاعات المختلفة.
وتابع طميزي أنهم حاولوا عبر سنين إيقاف ظاهرة الحرق بمساعدة الأجهزة الأمنية وبدور فعال من البلدية، ولكن، حسب تعبيره، فإن الظروف دائماً في تقلبات وإن الحرق يكون بالقرب من جدار الفصل العنصري في مناطق "سي"، وهي خارجة عن السيطرة الفلسطينية، ما يعيق ملاحقة العابثين في أمن البلد وسِلمها.
وأشار رئيس بلدية إذنا إلى أنهم توجهوا في مرة من المرات للإسرائيليين بمساعدة القنصلية السويدية أثناء عملهم على مشروع، وطالبوا الإسرائيليين بتخليصهم من المخلفات الإلكترونية الموجودة في إذنا حسب اتفاقية بازل، حيث إن الاحتلال ملزم بإزالتها ودفنها بمدافنه الخاصة، وهي مدافن الإشعاعات النووية والإلكترونية في منطقة جنوب الأراضي المحتلة قرب إيلات.
وقال طميزي إن الظروف السياسية تحكم وتعطي الذريعة للجانب الإسرائيلي ألا ينفذ التزاماته بهذا الخصوص.
وفيما يخص القبض على حارقي النحاس، أضاف رئيس البلدية أنه تمت ملاحقتهم عدة مرات عبر الاجهزة الأمنية، ولكن القانون الفلسطيني ضعيف، مشيراً إلى أن سلطة جودة البيئة ومحافظ محافظة الخليل وعدوهم بتغليظ العقوبة عليهم، حيث إنهم لا يتعدوا العشرين فرداً، واصفاً إياهم بالخارجين على القانون.
وتابع طميزي أنهم وقبل سنتين، قاموا باجتهاد من البلدية وطواقم البلدية بالتعاون مع الشرطة لمصادرة النحاس، حيث صادروا كمية لا بأس بها، وكان ذلك أداة لردع بعض الحارقين.
أما بخصوص المقشرتين، فقد قال رئيس البلدية إنه في البلدة مقشرتين لتقشير وتدوير الخردة، شركة الصفا الخاصة التي اتفقوا معها على توفير "كوبونات" مجانية لتقشير النحاس من أجل تخفيف ظاهرة الحرق، بالإضافة إلى أنهم تواصلوا بالتعاون والشراكة مع غرفة تجارة وشمال الخليل، وفتحوا قبل ما يقارب الستة أشهر مصنعاً في منطقة واد رجلي، وهي واصلة بين إذنا ودير ثابت، التي تعتبر مكاناً لتجمع محلات الخردة بتمويل إيطالي، وأنهم لا يزالون يعملون على المشروع.
وذكر طميزي أنهم جمعوا عوائل إذنا في ندوة ورفعوا الغطاء العشائري عن حرق النحاس، واصفاً إياها بالخطوة الجيدة وفي الاتجاه الصحيح، ولكن كل هذا يحتاج إلى وقت طويل، خاصة أنه يومياً يدخل إذنا ما يقارب الت طناً خردة من إسرائيل عن طريق الحواجز، والأغلبية منها يهرب عن طريق القدس والحواجز الفرعية بطرق غير شرعية.
وختم رئيس البلدية بالقول إنهم لن يكلّوا ولن يملوا، وسوف يستمرون حتى إنهاء الظاهرة، ولكن وجود الاحتلال يبقي الصعوبات قائمة.
مدير شرطة إذنا: نحن جهة تنفيذية فقط
يقول مدير شرطة إذنا محمد زماعرة إن إجراءاتهم كشرطة "جهة تنفيذية"، فقط مسموح لها إيقاف المتهم 24 ساعة، وبعد ذلك، يوجه للنيابة والقضاء الذي يأخذ دوره، مضيفاً أنه ليس راضياً عن العقوبة التي تنفذ بحق هؤلاء الناس "حارقي النحاس"، فالقوانين المتبعة من 1960، وهي قوانين أردنية غير رادعة، ولكن هناك البعض ارتدع لأنه أصبح منتقداً من أهل بلده ومنبوذاً، بالإضافة إلى أن الذين تم تحويلهم للقضاء توقفوا عن الحرق، وأنه كتبت عليهم تعهدات عند المحافظ وجهات مسؤولة بأنه في حالة الحرق، سيتم معاقبته ودفع غرامة مالية.
وتابع أنه كشرطي تعرض لإطلاق نار من الذين يحرقون النحاس، وأنه يواجه مشكلة أيضاً في ضبط النحاس، يقول: "أنا كشرطة ما بقدر ومش واجبي أضبط نحاس ولا وظيفتي.. هاي مضبوطات لمين؟"، فكونه، حسب تعبيره، غير مخول بأخذ هذه المضبوطات يجعلهم يضطرون لتركها مكانها ليعود صاحبها لأخذها.
وأشار مدير شرطة إذنا إلى أن البلدية أيضاً ضبطت في بعض المرات النحاس، ولكن لا يستطيعون رفع قضية في حالة كان الشخص مجهولاً، وأنه يتطلب تدخلاً وترتيباً من القضاء.
وقال زماعرة إن حارقي النحاس توجهوا للحرق في مناطق محاذية للجدار، وهي مناطق من الصعب على الشرطة الفلسطينية أن تصلها، كونها تخضع للسيطرة الإسرائيلية، أو ما تعرف بمناطق "سي".
وأضاف مدير شرطة إذنا أن الإسرائيليين اعترضوا على دور الشرطة الفلسطينية في منطقة "سي"، وأنه رفعت شكوى ضدهم عن طريق الارتباط الفلسطيني والشرطة الفلسطينية والارتباط المدني الفلسطيني.
وتابع أن أكثر الشكاوى تصلهم من المواطنين، وأنهم يتحركون فوراً، مشيراً إلى أنه في البداية كان يتم الحرق ما بين الساعتين العاشرة والحادية عشرة مساء، أما الآن، فيتم الحرق بين الساعتين الثالثة والرابعة صباحاً، وأنهم كان يلبون حتى الاتصالات المتأخرة بالتعاون مع المجتمع المدني والبلدية والتنظيم.
"جودة البيئة" في الخليل: مواد مسطرنة تترسب في التربة
يقول مدير عام جودة البيئة في محافظة الخليل بهجت الجبارين إن نظام قانون البيئة وأنظمة نظام النفايات الخطرة والمواد الخطرة في اتفاقية بازل كلها أنظمة قانونية ومرجعيات قانونية لهم كشرطة بيئة، كونها تضم مواد ونفايات خطرة التصنيف، فالنحاس والنفايات الإلكترونية مواد ونفايات خطرة تقع تحت المسؤولية المباشرة لسلطة جودة البيئة.
وأضاف الجبارين أن تجارة النفايات الإلكترونية بدأت منذ عدة سنوات، ولها عدة أسباب، سواء سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، بالإضافة لإغلاقات الاحتلال وجدار الفصل العنصري والمستوطنات والعزوف عن مهنة الزراعة وفقدان عدد من المزارعين لأرضهم نتيجة الجدار في منطقة إذنا الذي استحوذ على 50% من الأراضي.
وتابع الجبارين أن الاحتلال يستهدف أراضي إذنا بتصريف النفايات الخطيرة أو المنزلية أو السائلة والصلبة وغيرها، ما أدى إلى ظهور ووجود حالات خطرة ومقلقة على معظم القطاعات الصحية والزراعية والاجتماعية والمياه وتهديد السلم الأهلي، وأنه تم تسجيل تلوث بالعناصر الثقيلة كالرصاص والكروم، وأن هذه العناصر لا تنضب بالبيئة، وتبقى على حالها وشكلها، وبالتالي تنتقل للنبات والحيوان والإنسان، وتستقر في أنسجته في الكبد والكلى.
وأشار إلى أنه وصل إليهم أنه يوجد 250 مشغلاً في منطقة إذنا تضم داخلها 5 ألاف عامل بشكل دائم ومتقطع، 1500 يعملون في هذه المهنة "حرق النحاس" بشكل دائم، منهم 150 امرأة و100 طفل، وهذا، حسب تعبيره، يؤثر على كافة القطاعات الاجتماعية والمرأة وقطاع الطفل وأثرها المباشر وخاصة في التعامل مع فرز النفايات عن المعدن باستخدام عمليات الحرق كونها الأسهل والأرخص، التي تشكل خطورة مباشرة على كل شيء، كمشهد الطبيعة والنباتات وغيرها.
وقال الجبارين إن المواد المسرطنة المتصاعدة من عمليات الحرق تترسب في التربة وتنتقل للنبات وللإنسان والأغنام، وتؤدي إلى انتشار الأمراض المزمنة، خاصة السرطانات وأمراض الأجهزة التنفسية، مشيراً إلى أنه تم إجراء نشاطات في المنطقة، وتبين أن عيون المياه ملوثة، وأشجار الزيتون كانت عليها طبقة من المواد المسرطنة، وأنهم بدأوا بمعالجة هذه الظاهرة على كافة المستويات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والبلدية والمجتمع المحلي والجمعيات والمواطنين والقضاء والنيابة والوزارات ذات العلاقة، لما لها من تأثير على كافة القطاعات في إذنا وعلى الخط الغربي، وهو ما يحتاج لتعاون كافة الجهود.
وأضاف أن لهذا الأمر جوانب اقتصادية، خاصة أن هناك عائلات تعتمد بشكل كلي على هذه المهنة، بالإضافة إلى أنه توجد كمية من النفايات الإلكترونية مصدرها فلسطيني، وبالتالي هم معنيون بتنظيم قطاع النفايات الفلسطينية.
وذكر مدير عام جودة البيئة في محافظة الخليل الجبارين أنهم بدأوا بملاحقة هذه الظاهرة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية وملاحقة الاحتلال الإسرائيلي لتهريب هذه النفايات من خلال اتفاقيات دولية مثل بازل وإلزامه بمنع ومطاردة كل عمليات التهريب، سواء للنفايات الإلكترونية أو أي نفايات من جانب الاحتلال الإسرائيلي، وأنهم قاموا بتكثيف عمليات الرقابة والتفتيش.
وتابع أنه كان يتم تسجيل من 200 إلى 250 حريقاً يومياً في بلدة إذنا، وأنه تمت الملاحقة القضائية والتحويل للقضاء والنيابة، وتم تمكين عدد من المشاريع البحثية والدراسات والمساعدات للمنشئات لخلق بدائل كالتقشير، بالإضافة لترميم القطاع للعمل ضمن شروط صحية، وأنه تم تقديم الدعم اللوجستي والمالي والفني لدعم إحدى المنشآت التي تقوم على تجميع النفايات البلاستيكية الصادرة من المواد الإلكترونية وإعادة فرزها وفرمها وتدويرها واستخدامها.
وقال الجبارين إنه تم تطبيق أكثر من 150 برنامجاً تثقيفياً وتوعياً مقروءاً ومسموعاً ومكتوباً، بالإضافة لبرامج غير ممنهجة كأنشطة لكافة شرائح المجتمع في المنطقة.
وأضاف أن هذه الظاهرة "حرق النحاس" كانت محتضنة سابقاً من قبل المجتمع المحلي، حيث لم يكن أحد من المواطنين يقدم شكوى أو يبلغ، فالكل، حسب تعبيره، "مستفيد"، بالإضافة إلى أن الآثار لم تكن ظاهرة، أما الآن، فالمواطن أصبح أكثر وعياً، وأصبح شريكاً معهم في مكافحة هذه الظاهرة، وهذا ساعد أن يتقلص الحريق إلى حريقين أو ثلاثة في الأسبوع، بعد أن كان ما يقارب 250 حريقاً باليوم.
وتابع أن عدد الذين يحرقون النحاس أصبح قليلاً، من 10 لـ15 شخصاً، وأنه تمت ملاحقتهم قانونياً، وتحويل ملفاتهم للقضاء أكثر من مرة، وتم تغريمهم ومحاسبتهم.
وحول القوانين المعتمدة وعدم كونها رادعة، قال الجبارين إنه يوجد أكثر من قانون يتعامل مع عمليات الحرق، منها قانون الصحة العامة الذي يتعامل مع عمليات الحرق، وأن هناك عقوبات صغرى وأخرى قصوى، وقانون البيئة وخاصة المادتين 12 و13 عن تداول مواد خطرة وعقوبتها 3 آلاف دينار والسجن سنة، ولكن يتم توقيف المتهم أسبوعاً أو 10 أيام، ويخرج لحين إصدار الحكم بكفالة، مشيراً إلى أن هذه إجراءات قضاء ومحكمة، ولا يستطيعون التدخل فيها.
أمين سر فتح في إذنا: البلدية مقصرة والشرطة مقصرة
لكن هناك رأياً آخر يخالف الشرطة والبلدية، وينحاز لآراء المواطنين. إذ يقول أمين سر حركة فتح في إذنا، لؤي طميزي إنهم ومنذ 20 عاماً يواجهون مشكلة حرق النحاس في بلدة إذنا، وإن البلدية والشرطة عملوا بالموضوع وقللوا من المشكلة قليلاً، ولكن لم ينهوها.
وأضاف طميزي أنهم كتنظيم كانوا يطاردون حارقي النحاس، وأنهم استطاعوا وقف الحرق لـ45 يوماً، مشيراً إلى أن حارقي النحاس يتعمدون الحرق في أوقات متأخرة، وأنهم أيضاً يتعمدون الحرق في أكثر من مكان وفي ذات الوقت، فيحرقون النحاس والنفايات من أجل التمويه، بالإضافة إلى أنهم يقومون بزراعة مسامير وحديد في الطريق من أجل خرق عجال المركبات حتى لا يمسكوهم، يقول: "بعملولنا كمين.. هدول مافيا". ولكن رغم ذلك، فإنهم مستعدون ومتواجدون في كل المناطق والأوقات.
وذكر طميزي أن حارقي النحاس يتعمدون التخريب في مناطق الجدار ويقومون برمي مسامير داخل الجدار من أجل إتلاف عجال مركبات الاحتلال حتى يقمعوهم، ويقول: "هم مش حارقين نحاس، بس هم مجرمين وبضروا الناس".
وتابع أمين سر حركة فتح أنهم كتنظيم توقفوا عن ملاحقة حارقي النحاس، لأن السلطة والبلدية غير متعاونين معهم، بالإضافة إلى أن البلدية أوفقت رواتب المتطوعين فيها بحجة عدم وجود إمكانيات وغيره، وأنهم كتنظيم ومتطوعين عملوا على مطاردة حارقي النحاس بطلب من الأهالي الذين فقدوا ثقتهم بالأجهزة الأمنية والبلدية، مشيراً إلى أنهم استخدموا العنف تجاوزاً ليوقفوا ظاهرة حرق النحاس، ولكن دون جدوى.
وأضاف أن الذين يحرقون النحاس لا يتجاوز عددهم 12 شخصاً، وهم معروفون لدى الأجهزة الأمنية، ولكنها لا تعتقلهم، وأنهم فقط اعتقلوا شخصاً واحداً وخرج بعد أسبوع، ويقول: "يعتقلوا هذول العشرة، بنتخلص من هاي المشكلة"، وأن الأهالي المتضررين ملّوا من تقديم الشكاوى دون جدوى، وأن الناس أصبحت تهاجم الشرطة والبلدية على مواقع التواصل الاجتماعي، "أين أنتم؟".
وتابع طميزي أن هناك إصابات عالية بالربو والسرطانات، حيث إن إذنا تشكل أكبر نسبة سرطان في فلسطين بسبب حرق النحاس، حتى إنه في مستشفى عالية- قسم الربو والأزمة، كان نصفهم من بلدة إذنا.
وأشار أمين سر حركة فتح إلى أن المزارعين تضرروا بشكل كبير، فعندما يدرك الناس أن المزروعات من منطقة "الباص" أو منطقة قريبة على حرق النحاس لا يشترونها، "قضوا ع شغل المزارع ودمروه اقتصادياً".
وذكر طميزي أن هناك شاباً يدعى جاسر النطاح، تضررت أغنامه وأصبحت تموت بسب حرق النحاس، وأن الحل، حسب تعبيره، هو أن تنزل البلدية على المحلات التي تبيع كوابل للذين يحرقون النحاس، بالإضافة لأن تقوم البلدية ببعث إخطارات، كأن يقطعوا عنهم الكهرباء في حالة بيعهم الكوابل، أما الأجهزة، فعليهم اعتقالهم.
وقال إن بلدة إذنا عدد سكانها 32 ألف شخص وجميعهم يعانون من حرق النحاس، موضحاً أنه استخدم معهم على حد تعبيره أسلوب الاحترام، وتواصل معهم شخصياً كأمين سر، وقال لهم إنه سيمنعهم، وفي المقابل ازدادوا تحدياً وأصبحوا يحرقون في أماكن ومناطق بعيدة مثل واد عزيز والباص ودير البلوطة، مشيراً إلى أنهم يحتاجون لعدد كبير من المتطوعين لتغطية هذه المناطق وأنه وبالنسبة للقشارات، فهناك التزام قليل، وساعد هذا الأمر بتخفيف المشكلة، ولكن ليس حلها، لعدم وجود تعاون وعقوبات.
وأضاف طميزي أن المتطوعين بلغوا الشرطة والبلدية أنه وفي حالة انسحب التنظيم من الموضوع سينسحبون، فقد أصبح المتطوعون مهددين من قبل حارقي النحاس، يقول: "إحنا في المنطقة كذا، وإذا إنتو زلام، تعالوا"، مشيراً إلى أن حارقي النحاس أطلقوا النار على الشباب، فهم مسلحون وخطيرون، فحسب تعبيره، طاردهم شخصياً وحصل اشتباك بين التنظيم وبينهم.
وتابع أن الإنجاز الذي قمنا به سوف تتبناه الشرطة والبلدية "كل الاحترام"، ولكن في الحقيقة هم مقصرون، "يعني إحنا تم تعريضنا للخطر وإحنا اللي بنتعامل مع فئة خطيرة"، وأن حجج الذين يحرقون بأنه رزقهم، ليس كذلك، بل هم يحرقون لأنهم يغشون: "بحطوا عليهم مادة وبخلطوهم مع رمل وبحطوا عليهم زيت، عشان يزيد وزنهم".
وذكر طميزي أن سلطة البيئة تواصلوا معهم وقالوا لهم إنهم سوف يرسلون سيارة للاطلاع على الوضع، ولكن على أرض الواقع، لا يفعلون شيئاً، مشيراً إلى أنهم رفعوا أسماء 12 شخصاً الذين يحرقون النحاس، وأنهم سوف يرسلون الأسماء للأجهزة الأمنية لاعتقالهم، "هم بيجوا بصوروا وبروحوا"، حتى أنه، وحسب تعبيره، أتوا من أربع إلى خمس مرات، وأنه في مرة من المرات أتى وزير البيئة وقاموا بحرق "كاوشوك" خلفه: "هم تحدوا الوزير إنهم مش مهتمين".
من جهة أخرى، قال عطا الله طميزي، وهو أحد المتطوعين في مطاردة حارقي النحاس، إنهم متهمون من مركز الشرطة في إذنا وإنه يتوفر لديه دليل، فهو كان تواصل مع الشرطة: "يا شرطة، تعالي، فيه حرق باتجاه منطقة خلق إبراهيم.. حكوا طلعنا وفش حرق وأنا موجود بالموقع"، وكانوا وقتها موظفين في البلدية، وحالياً هم متطوعون يقضون وقتهم من أجل المساهمة في قتل هذه الظاهرة.
وأضاف طميزي أنهم عادوا مجدداً ووقفوا بذات المنطقة ليعود الحارقون ويشعلوا النيران من جديد، وأنهم قاموا بالاتصال على الشرطة، ولكنهم رفضوا القدوم: "حكولنا إجينا وما كان في شي ومش رح نطلع.. وحكولي بتيجي تقدم شكوى رسمية، أو "أي شخص يقدم شكوى رسمية"، مشيراً إلى أن المسافة بعيدة، وأنهم كمتطوعين بعيدون عن أولادهم وأعمالهم ولا يستطيعون فعل شيء: "طيب إذا بدي أروح أنا أقدم شكوى والحرق مولع، رح يحرقوا كمان 4 أو 5 طن من النحاس، وأكثر حرق بده ثلث ساعة".
وتابع أن التنظيم هو الذي يكون على جاهزية 24 ساعة، وأنهم متعاونون معهم أكثر من الشرطة: "الشرطة من كل 5 أو 6 مرات لتطلع مرة، الشرطة مقصرة.. المستفيد شخص والمتضرر 30 ألف".
الحرق مربح أكثر من "التقشير"
إيهاب نبيل أبو دهيشة، أحد الحارقين السابقين للنحاس، أما حالياً، فهو متطوع في مطاردة "حارقي النحاس"، ويروي لنا كيف كان يحصل على الكوابل.
يقول إنه كان يحصل على الكوابل جميعها من إسرائيل بعد رميها، وإنه قديماً لم تكن هناك مقاشر للنحاس كما الآن، والطريقة الوحيدة هي الحرق.
وأضاف أنه عمل فترة طويلة في هذه المهنة، ولكنه أصيب بالأمراض، ولا يزال يعاني منها حتى الآن.
وتابع أبو دهيشة أن استمرارهم بحرق النحاس هو بسبب ما يدره عليهم من أموال كثيرة، فالكيلو في المقشرة يكون بـ2 شيقل، أما عن طريق الحرق، فهو 4 شيقل، مشيراً إلى أن دخله كان يصل إلى 25 ألف شيقل شهرياً، أما عن طريق المقشرة، فقد يصل إلى 10 آلاف شيقل فقط، وأنهم الآن يأخذون أعلى مما كان يأخذ هو سابقاً، ولكنه اختار أن يترك هذه المهنة ويصبح متطوعاً في مطاردتهم.
دور القانون
بعد كل هذه التصريحات التي بغالبيتها تلوم القانون كونه غير رادع، وتصريح الكل بأنهم لا يستطيعون فعل شيء وغير مخولين، وأن الأمر يعود للقضاء، فكان لا بد من التوجه لمختص قانوني ليفسر لنا ما يحصل، وقال المحامي محيي البرغوثي إنه في الحالة الطبيعية فقط القضاء هو المخول بتوقيع العقوبة، وهو أيضاً وحده المخول بمصادرة المضبوطات.
وأضاف أنه في حالة النحاس، فالأمر مختلف، ولا يمكن ضبطه، لأنه لا يقع ضمن المتحصلات أو أداة جريمة، فالجريمة هي تلويث البيئة هنا والسلوك هو الحرق، فهي في النهاية تعامل معاملة النفايات ولا تتم مصادرتها، فمثلاً المخدرات هي متحصلات جريمة وتتم مصادرتها، فهي أداة إدانة لإثبات الجرم.
وتابع أن الأمر يعود ويتطلب تعديلاً قانونياً بشكل رادع لهذه الظاهرة، والتعديل في حالتنا يكون بموجب قرار بقانون.
يبدو أن قوانين البيئة ليست رادعة لهذه الفئة من الناس، ولكن متى سيتم التحرك وتخليص بلدة إذنا التي تعاني وحدها هذه الكارثة، فهل هناك أغلى من روح الإنسان؟ وماذا عن البيئة؟ هل سنغطي كوارثنا وإهمالنا بإلقاء اللوم على الاحتلال فقط حتى نريح ضمائرنا؟
* أعد هذا التحقيق الاستقصائي ضمن برنامج لمركز تطوير الإعلام لتدريب في الصحافة الاستقصائية بالشراكة مع مؤسسة كونراد آيدنأور الألمانية